محمد العشيوي - «الجزيرة»:
في زاويةٍ دافئةٍ من منطقة إندونيسيا في «بوليفارلد وورلد»، يجلس الحرفي الستيني جومالي تسمين، وبين يديه قطع الخشب تتحوّل إلى لوحاتٍ من الإبداع الصامت، كأنها تتنفس على إيقاع أصابعه، تُحيط به أدواته ومجسماته الصغيرة التي تحمل ملامح الجزر الإندونيسية، وكل قطعة منها تحكي قصة عمرٍ طويلٍ عاشه في حب هذه الحرفة، فمنذ أكثر من خمسةٍ وأربعين عامًا، كرّس (جومالي) حياته لصناعة الحرف اليدوية، متنقلًا بين جزر إندونيسيا، حاملاً معه ذاكرةً من الخشب والعزيمة والصبر، قبل أن تحطّ رحلته أخيرًا في «موسم الرياض».
يقول جومالي لـ«الجزيرة» بابتسامةٍ صادقةٍ وهو يواصل نحت قطعةٍ خشبيةٍ دقيقة، رأيت هذا الجمال في الرياض، المكان جميل جدًا، والطريق إليها رائع، ومنظر الرياض جميل، جميع سكانها طيبون وسخيون للغاية، وهنا في موسم الرياض رأيت معنى الجمال الحقيقي، ثم يضيف وهو يتأمل البحيرة أمامه (أتمنى أن يستمر هذا الحدث كل عام، هذه أول مرة أزور فيها هذا المنطقة، وأتمنى أن تتكرر مشاركتي دائمًا، وأنا سعيد جدًا هنا، وأتمنى أن أصل بفني إلى العالم عبر «موسم الرياض»، ورغم تقدمي في العمر، لكن سعادتي الكبرى أن أعيش هذه اللحظات في المملكة العربية السعودية.
جاء جومالي في قريةٍ صغيرة تُدعى (جيبارا) تلك القرية التي تشتهر بصناعة الأخشاب في إندونيسيا، وبمهارة نحاتيها ودقة أعمالهم المتقنة، هناك بدأ حياته نجارًا وبنّاءً بسيطًا، يصنع الأبواب وينحت الأشكال، وظلّ لأكثر من أربعين عامًا يلامس الخشب كما يلامس الأب وجه طفله، يصغي لنبضه، ويمنحه شكلاً وصوتًا، وحين جاء إلى الرياض، لم يحمل معه سوى أدواته القديمة، وحلمه بأن يُعرّف العالم على فنه.
يقدّم جومالي، للزوار قطعًا خشبيةً صغيرةً يصنعها أمامهم، تذكاراتٍ من روح الجزر الإندونيسية، يقتنيها الزائرون كتعبيرٍ عن جمالٍ يأتي من بعيد، لكنه يجد مكانه في موسم الرياض، يقول وهو يناول إحدى الزائرات قطعةً منقوشة على شكل زهرة استوائية أنا لا أبيع الخشب، أنا أقدّم ذكرى جميلة لتعيش مع الناس بعد أن أعود إلى قريتي.
جومالي لا يصنع الخشب فحسب، بل يصنع الحكاية، وكل نحتٍ يقدّمه هو رسالة حبّ من جيبارا إلى الرياض، وكل قطعةٍ تحمل في ملامحها امتنانًا للحياة التي سمحت له أن يواصل الحلم حتى بعد الستين، وحين تنظر في عينيه، ترى ذلك الإيمان الهادئ بأن الإبداع لا تحده السنون، وأن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى لغةٍ كي يُفهَم، لأن الخشب حين يمر بين يديه يتحول إلى ذاكرةٍ حيّة تنبض بما في القلب من دفءٍ وصدقٍ وجمال، هكذا يظل جومالي تسمين شاهدًا على الوجه الإنساني لموسم الرياض، رجلٌ جاء من جزرٍ بعيدة، يحمل بين كفّيه إرثًا من الفنون الحرفية والإبداع.