الحمد لله، إن بلادنا المملكة العربية السعودية بقيادة رشيدة تولي أمر السجناء والموقوفين ومن في حكمهم؛ العناية والاهتمام.
ومن العناية والاهتمام بنزلاء السجون، العناية بالتغذية الصحية وفرة وتنوعاً، والعناية بالتعليم والتدريب الفني والمهني، والرعاية الصحية، والمعاملة الحسنة، وكل ما يحتاجه الإنسان في السجن مما هو مسموح به، حتى المعاشرة الزوجية، وكل الحقوق الشرعية والإنسانية موجودة في سجون المملكة العربية السعودية ولله الحمد.
وهذه يقولها ويرددها كل من استنطق من نزلاء السجون الذين مكثوا محكوميتهم مدداً مختلفة، سواء من أبناء البلاد أو من الوافدين.
ومن باب التعليم والعلم والمعرفة في سجون المملكة نلج إلى مسألة القراءة، والقراءة مرتبطة بالكتب، والكتب من تخصص المكتبات.
وعندنا في تخصص المكتبات والمعلومات من أنواعها بحسب نوعية المستفيد أو (مكتبات متخصصة)، والمكتبات المتخصصة على قسمين، قسم للمختصين بالفن أو الموضوع، وقسم يعنى بنوعية المستفيدين، فمثلاً مكتبة الطفل إن كانت من القسم الأول فهي دراسات ومؤلفات عن الطفل والأطفال لا يدخلها إلا مختص بهذا المجال، وإن كانت من القسم الثاني فإن الكتب فيها بحسب المرحلة العمرية للأطفال، فلا يدخلها من المستفيدين إلا الأطفال فقط.
وكذلك مكتبات السجون هي ليست للمتخصصين بدراسة الجريمة والسجون والإيواء وخلافه، بل هي للنزلاء وهم فئات مختلفة منهم العامي وفيهم المثقف ومنهم المفكر، قد دخلوا السجن بسبب عقوبة معينة عليهم، ولكنهم لهم تقديرهم واحترامهم الخاص بهم وبإنسانيتهم مثل الآخرين مع تنفيذ ما صدر بحقهم من عقوبة.
مكتبات السجون في المملكة العربية السعودية من حيث النظام؛ نصت المادة (18) من نظام السجن والتوقيف الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (441) وتاريخ 8/ 6/ 1398هـ، على (أن تنشأ في كل سجن ودار للتوقيف مكتبة تحوي كتباً دينية وعلمية وأخلاقية ليستفيد منها المسجونون والموقوفون في أوقات فراغهم)، وكان قبل ذلك قد صدر قرار مدير الإدارة العامة للسجون رقم (4) وتاريخ 5/ 11/ 1395هـ بأن (تنشأ في كل سجن مكتبة للمسجونين تحوي كتباً دينية وأخلاقية ويسمح للمسجونين بالانتفاع بهذه الكتب)، ثم صدر قرار مدير الإدارة العامة للسجون رقم (34/ ش/ س) في 1/ 2/ 1396هـ بإصدار لائحة مكتبات السجون التي تضمنت (19) مادة لتنظيم هذه المكتبات، شملت المكان والمواد والأثاث والخدمات التي تقدمها المكتبة وإجراءات تنظيمها والأيدي العاملة اللازمة لتشغيلها.
أهل الاختصاص في علم المكتبات والمعلومات كتبوا كثيراً عن مكتبات السجون، ويفضل الرجوع إلى ما كتبه الباحث: سريع بن محمد السريع بعنوان (مكتبات السجون والمؤسسات الإصلاحية)، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مج3، ع1، المحرم - جمادى الآخرة 1418هـ، ص 77 - 103، بالإمكان تحميل العدد كاملا من موقع المكتبة.
قبل أيام قابلت أحد الخارجين من (سجن الطرفية) بمنطقة القصيم، وهو من محبي القراءة قبل دخول السجن، سألته عن المكتبة في سجن الطرفية، فقال: مكتبة متميزة، والعاملون في السجن على مستوى ممتاز.
قلت له: ما هي نوعية الكتب فيها، قال: كتب تراثية عامة، قلت له: هل هناك ملاحظات على الكتب، أو المكتبة، قال: لا، أبداً المكتبة متميزة جداً، وزادها حسناً وبهاءً من يعمل بالسجن عموماً من رئيس السجن إلى أصغر موظف، معاملة محترمة جداً.
يقول: ختمت عدداً من الكتب آخرها -لا أدري قال- نهاية الأرب أو كتاب الأغاني لأبي الفرج، ومن الطريف يقول: عندما أخبروني بالخروج من السجن، قلت لهم لو تؤخرون خروجي حتى انتهي من قراءة المجلد الذي بيدي، قال ذلك ممازحاً للسجان، مما يفيد أن البيئة في السجن صحية وتمتاز بعلاقة حسنة بين السجين والسجان، وهذه ظاهر صحية.
والذي أراه أن يعاد النظر في تنظيم الكتب والمكتبات في السجون:
1 - يكون هناك شراكة بين المديرية العامة للسجون والمكتبة الوطنية مثلاً أو غيرها من الجهات الحكومية ذات العلاقة.
2 - يشكل فريق علمي متخصص يقوم بالموافقة على قوائم الكتب التي تقتنى للسجون، ومن أعماله مطالعة أعمال السجناء العلمية وإجازتها.
3 - تسجل انطباعات السجناء عن الكتب والمكتبات وتحقيق رغباتهم في توفير ما يمكن توفيره.
4 - وضع مسابقات علمية وثقافية بين السجناء في السجن الواحد، والمنافسة بين السجون الأخرى في الفعاليات الثقافية داخل السجن.
5 - هناك ما يسمى أدب السجون، بحيث يشجع السجين على الكتابة والتأليف داخل السجن، ثم يراجع ويجاز، وينشر له ويكون ريعه للسجن مثلاً، وللمؤلف مكافأة.
6 - تشارك المديرية العامة للسجون في معارض الكتب، وتبيع إصدارات السجن، للسجناء الذين يرغبون الكتابة بالاسم الصريح أو المستعار.
7 - هناك كم كبير من الكتب والدوريات في مخازن بعض الجهات، يفترض أن تكون أحد مسارات تصريفها توزيعها على السجون.
8 - استخدام الآيباد والكتب الإلكترونية في السجون الخاصة والعامة.
9 - السجن فرصة ذهبية لتحبيب الناس في قراءة الكتب، والقراءة نافعة ومفيدة لمن داوم عليها وحبها.
10 - الصحف اليومية مفيدة لاطلاع السجين على الحياة اليومية وآخر الأخبار والمستجدات.
11 - بالقراءة ومحبتها والديمومة عليها يستفيد السجين فوائد كثيرة، منها الصبر على ما هو فيه، والتسلي بما بين يديه، ومعرفة مواجهة المجتمع بعد خروجه بسبب ما لديه من علم ومعرفة، والإنتاج العلمي والفكري بعد التزود بالقراءة في كافة العلوم.
12 - النظر في السجناء من حيث أعمارهم، ومستوياتهم التعليمية، ولغاتهم المختلفة، ودياناتهم ومذاهبهم.
13 - تدريب نزلاء السجن على الإجراءات الفنية للكتب من عمليات الفهرسة والتصنيف وغيرها التي تعمل في المكتبات.
14 - السجن مكان منعزل وممل ومخيف، وبالكتاب والكتب يتحول إلى مكان فسيح وممتع وآمن.
15 - مواصلة الدراسات العليا للسجناء.
16 - تشكيل لجنة خاصة لتقييم مكتبات السجون، تقوم بزيارة جميع سجون المملكة.
17 - وفرة الكتب تجعلنا نعيد النظر في إنشاء مزيد من الزنازين الخاصة التي تتحول من مصدر للكآبة والحزن إلى خلوات نافعة ومفيدة ومسلية.
18 - قراءة الكتب تغذية للعقول، وهي أشبه بماء عذب في صحراء قاحلة، أو سراج مضيء في ليلة ظلماء.
إن السجناء أو نسبة كبيرة منهم كفاءات وطاقات غير مستغلة من حيث الإنتاج العلمي والفكري، وبتعلقهم بالكتاب والعلم والمعرفة حتماً يساعد في إصلاح أحوالهم بعد الخروج، ويساعدهم أثناء المكوث في السجن المدد المختلفة.
أكاد أجزم أن أكثر ما كتبت هو موجود ومطبق بالفعل، ولكنني أرجو من وزارة الداخلية ممثلة بالمديرية العامة للسجون مراجعة مكتبات السجون والإصلاحيات وإعادة النظر في ذلك من خلال تحديث المواد والعناية بتفاصيل التفاصيل، بل حتى السجون الأخرى على اختلاف أنواعها لابد من النظر في هذا الأمر، ودراسة نتائجه بعد مدة، وتطويره وتحسينه، فإن ولاة الأمر في بلادنا -حفظهم الله- حريصون كل الحرص على حفظ حقوق الإنسان داخل السجن وخارجه، وحريصون على ما ينفع ويفيد، والمواد المسجلة في نهاية القرن الرابع عشر الهجري؛ قد تحتاج مراجعة وإضافة مما يتناسب مع (رؤية المملكة 2030)، فحتى السجين داخل سجنه يشارك في تنمية البلد وتحقيق الرؤية، وأول ما يبدأ به السجين هو إصلاح نفسه، وإذا صلح حال السجين؛ شارك في إصلاح الآخرين.
** **
- إبراهيم بن عبدالعزيز اليحيى