د.زيد محمد الرماني
تعاني المجتمعات الإسلامية المعاصرة في واقعها القائم من عمق الفجوة بين الجوانب العقدية والعبادية والجوانب الاقتصادية المعيشية، إن واقع العالم الإسلامي ينبغي دراسته من جميع النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى كل المستويات، ومن أهم ما يعاني منه العالم الإسلامي في اقتصادياته ما يعرف بـ «المرض الاقتصادي». فالتلوث البيئي مرض اقتصادي، يتسبب في كثير من الأعراض وآثاره لا تنحصر في مكان واحد، بل تمتد إلى آخرين من أفراد ومجتمعات ودول، فالإنسان لا يلوث هواءه ومياهه وتربته، وإنما أيضًا هواء ومياه وتربة الآخرين جاء في تقرير لأكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية: «لقد حل الوقت الذي لا يجوز للإنسان أن يمضي في استعمال الأرض والبحر والهواء كأنها سلة قمامة».
الفقر مرض اقتصادي، هو حالة من الحياة محددة بالجهل وسوء التغذية والمرض وارتفاع مستوى وفيات الأطفال، وعدم تمكن الفرد من إشباع حاجاته الأصلية، وجميع البلدان الإسلامية تعاني من ظاهرة الفقر وانتشارها. وقديما قيل: «الفقر هو الموت الأكبر».
والديون مرض اقتصادي، فما من دولة إسلامية إلا وتعاني من الديون وفوائد أقساط الديون، وهذا بدوره يؤثر على الميزان التجاري لهذه الدول، وعجز هذه الدول عن سداد هذه الديون يجعلها في حلقة مفرغة. وقديما قيل: «الدين هم بالليل مذلة بالنهار»، والعالم الإسلامي يعاني من جراء هذه الديون وفوائدها أصنافًا من الهموم والمذلة.
المجاعة مرض اقتصادي، وهي قاسم مشترك بين معظم الدول الإسلامية، وتسبب المعاناة الشديدة لكثير من أطفال البلدان الإسلامية، نتيجة نقص الغذاء، وعدم توافر الحاجات الأساسية لهم، والعرب قديمًا قيل: «الجوع كافر».
والربا مرض اقتصادي، يسبب محق البركة في الأرزاق، سواء على مستوى الاقتصاد الفردي أو المجتمعي، إذ هو كسب للأموال دون عمل، والنقود لا تلد نقودًا كما يقول علماء الاقتصاد، وكان الاقتصادي المشهور عيسى عبده - يرحمه الله - يعتبر الربا خراب الأمم والشعوب.
المجتمع الاستهلاكي مرض اقتصادي، وهو مجتمع يسوده المال من حيث يلهث فيه المرء وراء الكسب ليتمكن من استهلاك أوفر، ومن حيث إن حركة الاستهلاك موجهه بشكل مدروس من أجل الوصول إلى تصريف إنتاج متزايد للسلع. ويلاحظ أن العالم الإسلامي قد تحول إلى مجتمع استهلاكي تسوده تطلعات عارمة للثراء السريع.. يقول «إريك فروم»: «لقد أصبح المستهلك في الغرب يقول: أنا موجود بقدر ما أملك وأستهلك». البطالة مرض اقتصادي، إذ لا يتوافر العمل المناسب والأجر المناسب للعامل القادر المستعد للعمل، سواء كان بسبب التقدم الفني واستخدام وسائل التقنية الحديثة، أو بسبب نقص المهارة. ومعظم الدول الإسلامية تعاني من ظاهرة البطالة، يقول الراغب الأصفهاني - يرحمه الله -: «من تعطل وتبطل انسلخ من الإنسانية بل من الحيوانية، وصار من جنس الموتى».
التبعية مرض اقتصادي، إذ غالبية الدول الإسلامية مازالت في اقتصاداتها تابعة لاقتصادات الغرب ونظمه، سواء على مستوى الأسواق التجارية والمالية، أو التبادل التجاري، وهذا يستتبع استمرار تبعية هذه الدول لتلك الدول الغربية، والعرب قديمًا كانوا يقولون: «جوع ... يتبعك»، وقد مارس الغرب هذه السياسة سياسة تجويع شعوب البلدان الإسلامية، حتى تبقى في تبعية مستمرة ودائمة.
وللأسف كان من نتيجة المرض الاقتصادي بأنواعه المختلفة الآثار التالية على المجتمعات الإسلامية:
1 - افتقاد الأمة المبدعين والمبتكرين والمخترعين والفنيين في المجالات الاقتصادية المختلفة.
2 - التخلف العلمي في مجال اقتصاديات الأمة.
3 - الجهل بالحاجات العالمية إلى البضائع التي تصدر.
4 - التخلف في القوة الإعلامية لترويج البضائع.
5 - انتشار العادات والتقاليد الاجتماعية السيئة، من الإسراف والترف.
6 - انتشار الجرائم المختلفة والانحلال الخلقي المتمثل في انتشار الغش والخداع والرشوة.
7 - عدم الالتزام بالعهود والمواثيق.
8 - انتشار الأمراض القاتلة، التي تعوق العمل أو تقلل عدد ساعاته.
إن أي مجتمع يبتعد عن شريعة الإسلام، فإن مصيره التخلف عن ركب الحضارة، والخلاص يكون بتغيير ما هو عليه من معاص وذنوب وأخطاء، مصداقًا لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (11) سورة الرعد.