Culture Magazine Monday  11/06/2007 G Issue 202
فضاءات
الأثنين 25 ,جمادى الاولى 1428   العدد  202
 

العواد في ذاكرة التاريخ (6)
العواد.. وهؤلاء
عبدالفتاح أبومدين

 

 

(8)

في كتاب (شوقيات وشوكيات)، الذي جمع أطرفاً من مقالات الأديب العربي الناقد عبدالعزيز الربيع رحمه الله: بمجهود محب صادق وفي، هو الأستاذ محمد صالح البليهشي، صدر هذا الجزء وغيره من إنتاج الربيع عن النادي الأدبي في المدينة المنورة في طبعته الأولى عام1420هـ، 1999م نقرأ في ص (218) وما بعدها ما كتبه الأستاذ الربيع بعنوان (وللعواد مع المعلمين قضية).. بدأ الكاتب حديثه بقوله: (أيها السادة المعلمون.. ما أهون شأنكم.. وما أسخف عقولكم، وما أتفه أعمالكم.. أيها السادة، نعم أيها الأساتذة جميعاً ابتداءً من العاملين في الجامعات، وانتهاء بالعاملين في رياض الأطفال، لأيهم كم أنتم مخدوعون، حين تظنون أنفسكم شيئاً، وحين تتصورون أنكم تؤدون واجباً مقدساً، فلستم في الواقع إلا أناساً آليين.. إن الذي يجب أن تعلموه جيداً هو أنكم قشر ولستم لباباً، وعرض ولستم جوهراً وقصديراً، ولستم ذهباً..

ويمضي الأستاذ الربيع في بث القضية التي بدأها بعنوانها، ومبتدأها، أن محرراً في إحدى صحفنا، يقدم باباً بعنوان (كل شيء).. وشرع هذا المحرر الشاب يسعى إلى فريق من أدبائنا، ليكتبوا له مقالات بعنوان (ذكريات معلم سابق) ويذكر الربيع أن نقرأ من هؤلاء الأدباء استجاب لطلب المحرر، منهم الأساتذة أحمد قنديل وضياء الدين رجب ومحمود عارف، رحمهم الله.

وكانت كتاباتهم كما يشير الربيع من الأدب الرفيع والخلق السامي، ومن هؤلاء الكتاب الأستاذ محمد حسن عواد رحمه الله، فقال الربيع: وكان مقاله نشازاً بين هذه المقالات، وكان عنوانه (المهنة التي كنت نشازاً فيها)..

ونقرأ مقاطع من حديث العواد حيال ما طلب إليه المشاركة فيه: (قال لي طلال إنه يريد مني أن أكتب عن ذكرياتي كمعلم سابق، كما كتب في ذلك أصدقاء لنا من الكتاب، قلت له: يا بني إن مهنة التعليم بالنسبة لي كانت نشازاً في حياتي). ويمضي العواد في حديثه: (كانت على غير رغبة مني في الاشتغال بهذا العمل، كانت مدتها المؤقتة قصيرة الأجل، وكانت في مدرستين مختلفتين، إحداهما شعبية أهلية، والأخرى حكومية.. ولأنني كنت حدثاً يافاً لم أنضج بعد، وكان الكثير ممن وضعوا أمامي ليكونوا تلامذتي يكبرونني بالسن، وإن كان كثير منهم أيضاً يصغرونني، ولكن الجو الذي يحيط بالجميع كان غير قابل للتفاعل الآلي.. ولأن نفوري من هذه المهنة ومن هذا الجو الآلي جعلني لا أهتم بواجبات التدريس أو التعليم كما يراد وبالطريقة التي تراد.. وأسأل الله الرحمة والغفران، لأن رجلين زجا بي في هذا المجال، وهما الفقيدان السيدان عبدالرؤوف جمجوم وكيل رئيس مدارس الفلاح، والحاج محمد علي زينل علي رضا رئيس هذه المدارس، فقد كانت السمة عندهما أن يحسنا إليّ بهذه الوظيفة، لأعول والدتي الأرملة وشقيقتي اليتيمة، وأن تستفيد المدرسة من ذكاء خيّل إليهما أنني أختص به بين طلبة القسم العلمي في المدرسة.. ولست أنكر أن بين المعلمين قسماً يحمل في رأسه فكرة مشروع الفضيلة وحب العدالة العامة والوعي والحرية في التفكير والمعرفة المنتجة، ويحمل في قلبه رسالة خدمة الأمة عن طريق هذه الأمانة التي وضعها الله في أعماقه، وزادت بمقومات خلقية وفكرية تساعد على أدائها.. ولن يكون أفراد هذا القسم إلا فلاسفة ومفكرين أو فنانين عباقرة لهم القدرة ولهم الاستعداد لهذا العطاء)..

إن بسط آراء العواد والتعليق عليها في كتاب الأستاذ الربيع أخذ أو شغل خمساً وعشرين صفحة.. ورأيت الربيع يركز على كلمات بعينها منها وصف المعلم بالآلية مثل قوله: (أما المعلم الذي يمارس التدريس آليا كمهنة يتقاضى عليها أجراً فبعيد جداً عن مستوى هذه الطبقة).

لقد نقلت كلام العواد كما وجدته في صفحات الربيع كاملاً، حتى يحيط القارئ بهذا الموضوع، الذي أرى أن الأستاذ الربيع قد بالغ في الإساءة إلى المعلمين بمحمل لم نجده فيما ألقى بعد العواد، فالرجل عمل مكرها في التدريس مدة لا تتجاوز سنتين دراسية، ولما لم يجد نفسه في تلك المهنة تركها.. وحين يفند العواد قضية المعلمين، فالحقيقة أن ليس كل من مارس مهنة التعليم جدير بهذه المهنة الشريفة، ولا أعدوا الواقع حين أقول اليوم إن هذه المهنة كانت رسالة فأصبحت وظيفة، وليس معنى ذلك التعميم في هذا الوصف، غير أن شرائح كثيرة وكبيرة توجهت إلى هذا المجال من أجل أكل العيش، ونسمع من يقول إن قطاعاً من الناس من الجنسين حين فشلوا في الحياة العامة أي الوظائف جنحوا إلى التعليم.. وخلافات الأستاذ الربيع مع الأستاذ العواد، لا سيما في قضية ديوان شعر ثريا قابل ومبالغة العواد في الإشادة بهذا الشعر وكاتبته، أثار ذلك الجدل المتقد بين الكاتبين خصومة عارمة.. إذاً فإن السطور أولى من حديث الربيع التي أوقد نارها، ليزج بالعواد في تحقيره للمعلم ليس حقاً، وقد رأينا أقوال العواد التي ساقها الربيع في هذه القضية.. ومن المؤلم أن اختلاف الرأي يفسد للود قضية، وليس صحيحاً أنه لا يفسد للود قضية كما يردد كثير من الناس.. أما نقد الربيع واعتراضه على آراء العود في شعر ثريا قابل، فإن الحق مع الربيع، لأن هذه الشاعرة في تجربتها الشعرية الأولى، لا يمكن أن ترقى إلى شعر شوقي، ولا الشريف الرضى ولا خناس كما يلقب رسول الله سول الله صلى الله عليه وسلم (الخنساء).. غير أن العناد والمكابرة يقودان إلى كثير من الأقاويل التي تتجاوز طبيعة العقل المدرك، وإلى المبالغة والمكابرة والإصرار على بث آراء مغلوطة.. وقد رأينا كثيراً من هذه التجاوزات في العصر الحديث، فالمازني والعقاد وطه حسين وزكي مبارك ومن إليهم، بالغوا في توجهات خاطئة، ثم تراجع كثير مهم، ومعركة الرافعي مع العقاد مردها، توجه العقاد نحو التجديد والرافعي لا يريد أن يتجاوز الأدب القديم، وهكذا دواليك..

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

(1) صحيفة كانت تصدر بجدة قبل نصف قرن.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة