Culture Magazine Monday  11/06/2007 G Issue 202
نصوص
الأثنين 25 ,جمادى الاولى 1428   العدد  202
 

يوم الزينة
عبدالله بن أحمد آل ملحم

 

 

لم أجد ما يبرر تأنقه المفرط.. إلا وقوفه في محل ملابس نسائية.. بائعاً كما يليق بشاب مثله، وعريساً في غير عرس.. يغوي زبوناته بالشراء، ويغريهن بمعاودة زيارته مرة أخرى.. وددت لو رأيته في صعدة قبل مجيئه إلى الدمام.

هناك في اليمن السعيد حيث ابتعثت معلماً - وفي صعدة تحديداً - لم ترَ عيناي قط فتى مثله يرفل في مثل زينته.. ربطة عنق حمراء قانية.. تحتها قميص أبيض.. وبذلة سوداء فاحمة.. كتلك التي لبسها بوش في أول ظهور له بعد 11 سبتمبر.. بيد أن الفتى اليمني بدا أكثر جمالاً بوسامته اللافتة.. وجاذبيته الآسرة.. ولا سيما وهو يحادث زبوناته بلطف لا محدود.. ويمنحهن ابتسامات تنشق عن وجه صبوح كفلقة قمر.. وارته سحباً عابرة.. أما هن فكن يحادثنه بأريحية يحلم بها أكثر الأزواج تعطشاً لزوجة محبة وبيت مستقر.. ويضاحكنه في خفر ماجن كالذي اصطنعته حليمة بولند وهي تتأوه صارخة: أبي أمي، أبي أبوي، أبي زوجي، أبي أبي أبي...!

قبل أن أكون مطلقاً كنت أدافع صلف زوجتي.. أشبع غرورها.. أداري كبرياءها.. أنولها كل ما تريد.. وأسعى جاهداً لأحظى منها ببعض ما يلقاه هو من سخاء زبوناته، وكرم مشاعرهن، ورقة لطفهن.

- حرام عليك يا قايد..!!

هكذا سمعت إحداهن تناديه في تأوه وعتب.

قايد لم يلتفت إليَّ.. لم يكترث لوجودي.. لم يسألني ما حاجتي.. وأحسبه تغافل عني عامداً.. وهو أسير ثلاث غانيات يجاذبنه النظر.. يتنازعن التفاتاته.. يتنافسن اهتمامه.. وعيونهن تجوس قسمات وجهه وملامحه.. وخواطرهن تحلق في أجوائه كجوارح طير ترقب فريستها.

قبل أن أخرج لاحت لي صعدة كما كنت أراها من فوق جبل الطل.. بين شجيرات بن وارفة، وشتلات قات متكاثفة.. وبرز لي سوقها المسقوف برواق متطامن.. وأعمدة متهالكة.. وإيوان معرق قديم.. وباحة مكشوفة مكتظة برواده من أهل القرى المجاورة.. صعدت النظر ملياً.. أخذت أحملق في المارة.. بحثت عن قايد لم أجده.. تفحصت الوجوه جيداً لم أعثر عليه.. ناديته مراراً لم يجبني.. صديقي سليمان المبتعث إلى ذات البلدة.. رأيته إلى جانبي.. كان يلف غترته كعمامة يمنية.. ويلبس قميصاً أخضر زاهياً.. وإزاراً مرتخياً متنافر الألوان.. يشده إلى حقويه نطاق وجنبية.

قال لي:

- قايد في الدمام لن تراه هنا!!

قاطعته:

- بل هنا.. إنه صعداوي أين يذهب؟

- لم يعد صعداوياً.. ولو عاد لاختطفوه كسائح أجنبي!

صوت الآذان كان يخترق المكان.. ويطغى على كل صوت.. فانتزعني صداه من هناك.. وردني إلى مول الدمام.. لتتلاشى صعدة عن ناظري.. فيما بدا قايد مختطفاً بالفعل.. اختطفته معجباته!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة