Culture Magazine Monday  19/03/2007 G Issue 191
فضاءات
الأثنين 29 ,صفر 1428   العدد  191
 

لن نعيش في جلباب أمريكا
أمريكا من وجهة نظر المثقف السعودي * (3)
سهام القحطاني

 

 

ينقسم كتاب (لماذا يكرهوننا؟) إلى ثمانية فصول يبدأ الفصل الأول بقضية العصر(الإرهاب) والمعالجة الدراماتيكية التي أعتدنا عليها، أي البحث في تفاصيل معنى الإرهاب، والسرد التاريخي لنشأة الإرهاب العالمي والخلفيات الإيديولوجية التي تختبئ عادة وراء التلاعب في فرد المفهوم وتحريك زوايا مكعبه، والإرهاب من وجهة نظر إسلامية، والفرق بين الإرهاب والمقاومة، والخلط بينهما، وينتهي الكتاب بالقضية الأكثر سخونة على المشهد السياسي (العراق)، وما بين الفصل الأول والفصل الثامن يحاول الكاتب أن يكشف عن تاريخ أمريكا الداخلي والخارجي، التاريخ الذي يصفه مقدم كتاب أمريكا بين الهنود والعرب الأستاذ نصري الصايغ بأنه (يكشف القناع عن وجه أمريكا البشع) و(يظهر السيرة الشريرة للولايات المتحدة الأمريكية، منذ عبور روادها الأطلسي ودخولهم أرض الميعاد المقدسة في أمريكا، وإقامة المستوطنات لشعب الله المختار من الأوروبيين) - أمريكا بين الهنود والعرب -د. نبيل خليل نبيل - ص7، 9).

أما الرئيس شارل ديغول فيرى أن أمريكا(خطأ جغرافي على الجانب الآخر من المحيط، وقد صنعت أمريكا كبلد على الفوضى والصراع والعنف، عاشت مسيرة طويلة من الصراع العسكري والإيديولوجي أهلتها للانتقال من بلد زراعي متسكع على هامش العالم.. إلى قوة شابة واعدة .. وظهور الفكر الدارويني في أن البقاء للأصلح والأقوى، واعتقدت أنها الأصلح والأقوى بجانب أسباب أخرى دينية وثقافية ووراثية حول مهمة الرجل الأبيض المقدسة لنشر ثقافته وديانته المسيحية بين الشعوب الأخرى)-ص28 لماذا يكرهوننا- ما يهم في قول ديغول أو كما أعتقد أهميته، هي فكرة الصراع التي ربطها بنشوء أمريكا ثم بتطور هيمنتها الذي توجته باختراعها (النظام العالمي الجديد) الذي يقوم أيضا على فكرة الصراع بين الشعوب والحضارات وفرض القيم الأمريكية على شعوب الأرض، ولعل هذه (الامبريالية الثقافية) على حد قول المستشار الأمريكي الأسبق زينو برجينسكي، هي قمة الصراع باعتبار أن الصراع الثقافي لا يقل شأنا عن الصراع السياسي لأن كليهما يسعى إلى تشويه هوية الفرد وخصوصيته، إضافة إلى أن أيديولوجية النظام العالمي الجديد تسعى إلى تكريس علاقة الصراع مع الآخر، كما تسعى إلى تكريس فكرة القوي والضعيف، التي أنتجت نظرية السوبرمان أو الرجل الأقوى، وهو ما يقرب تلك الإيديولوجية إلى الصياغة الميكافيللية والفكر الدارويني، البقاء للأصلح والأقوى، بما يعني أن امتلاك القوة يقاوم الفناء ويفرض الهيمنة، ولم تختلف استراتجيات القوى عبر القرون وإن تطورت أشكالها، فالقوة العسكرية تظل منذ الإنسان الأول وحتى يومنا هي مصدر أمان الأمم ووسيلة هيمنتها على الآخر، وهذا ما يجعل الاهتمام بالقوة العسكرية في قائمة الاهتمامات الأمريكية والمبدأ الثالث وفق تصنيف الزمل في سياسة التيار اليميني الديني داخل الإدارة الأمريكية أي (تعظيم القوة العسكرية وتقديمها على مختلف الأدوات الأخرى في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا ... ما يحصل الآن في العراق، فليس غريبا أن نلحظ الآن مثلا إصرار الإدارة الأمريكية على استخدام القوة العسكرية ضد شعب العراق)23 -لماذا يكرهوننا- كما أن القوة الثقافية لا تقل أهمية عن القوة العسكرية وأثرها على استعمار طريقة تفكير المتلقي العالمي، وهو المبدأ الرابع في أجندة السياسة الأمريكية، أي (أن تفرض الولايات المتحدة هيمنتها الفكرية والثقافية على العالم من خلال التبشير بالقيم الأمريكية، وهو ما يفسر أسباب مطالبتها بعض الدول العربية بتغيير المناهج الدينية وتغيير منظومة القيم داخل هذه المجتمعات بحيث تتواءم مع المنظومة الثقافية الأمريكية)24 -السابق- والقوة الاقتصادية تتعاضد مع القوتين السابقتين باستعمار السوق والذوق التسويقي للجمهور، وهو ما يعني تعريف أولي للنظام العالمي الجديد الذي تمثله اليوم أمريكا وبذا تصبح أمريكا كما يقول المعلق الأمريكي تشارلز كراوثامبر (الحقيقة أنه لم تتوفر في تاريخ العالم لأية دولة السيطرة الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الآن وذلك منذ الإمبراطورية الرومانية)- ص8 السابق-.

على العموم سأعود لهذا الجانب من الصراع، لكن الآن لننظر إلى زاوية أخرى من ذات الصورة، زاوية تتعلق بطبيعة الأنا والآخر كونهما مصدر علاقة الصراع على الوجود، الوجود في فرضيته الأولى -الأنا، والذي يصبح جدلية مقلقة للذات لأنه قابل للفناء، وتتأزم تلك الجدلية عند الأشخاص والشعوب التي لا تمتلك جذورا وجودية تمكنها من تجديد كيانات أجيالها، وهو ما يعني أن هناك منهجا تعويضيا يمارس ليحلّ محل المفقود (جذور تجديد الوجود)، وتتعدد مقررات ذلك المنهج، لكنها عادة ما تعتمد على أحادية القاعدة، وهي (إلغاء) ما يهدد الوجود -الأنا- بالفناء، أو السيطرة عليه، والسيطرة بدورها تأخذ أبعادا مختلفة منها السياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي حتى تطوق نهاية المطاف رقبة من يهدد وجودها لتخنقه وقتما تشاء، ولاشك أن مصطلح الخنق يذكرنا بأشهر عبارة في تاريخ أنانية - الأنا- نحو الآخر والنية المبيتة لفنائه، عبارة الرحالة الجغرافي الشهير فاسكو داجاما عندما أتم رحلته قال (الآن طوقنا رقبة الإسلام، ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ويموت!)، إذن من العبث أن ننظر إلى ما هو كائن بعيدا عن نظرية المؤامرة.

وبذلك فالسيطرة وجه آخر للإلغاء بمفهومه البحت (الفناء)، وتلكما الإستراتيجيتين (الإلغاء -السيطرة) لا تنفّذان معا، و اختيار إحداهما يعتمد على تاريخ و طبائع (مثال التجربة)، بما فيها الطبيعة النفسية والاجتماعية والإيديولوجية والثقافية لذلك المثال.

وهذه الفرضيّة أي قلقل وجود -الأنا- مقابل فناء الآخر، فرضية أولى يتكئ عليها كل من قرأ تاريخ أمريكا من الداخل، بدءاً من تطهير القارة الجديدة من سكانها الأصليين(الهنود الحمّر) ووصولاً إلى محاولات السيطرة على العرب لتطويق رقابهم لخنقهم متى قاوموا ضيق الحبل، وتعددت الأسباب والموت واحد.! وهو قلقل يتبلور من خلال المبدأ الأول والثاني في أجندة السياسة الأمريكية كما يصنفها الزامل وفق منطق يضمن للإدارة الأمريكية أن تكون هي سيدة القرار والموقف، وأن تظل هي التي تحرك العمل الدولي وفق مبادئها وشروطها، لتؤكد للجميع فكرة هيمنتها وآحادية قوتها، وهما المبدأ الأول والثاني في استيراتجية السياسة الأمريكية الخارجية وفق تصنيف الزمل فالمبدأ الأول(رفض العمل الجماعي، وأن يكون العمل الدولي تحت قيادة أمريكية، أو بمبادئ أمريكية وإلا أصبح مرفوضا..أما المبدأ الثاني فيتجسد بإعلاء فكرة الهيمنة الأمريكية ورفض بزوغ أية قوة مضادة ورفض فكرة التعددية القطبية أو التنوع بتوزيع القوة) 23 -السابق-

هذه الفكرة، أقصد فكرة أحادية السيطرة وقلق -الأنا- وإلغاء الآخر عند أمريكا، يحاول الزامل أن يوزع مساحتها على أكثر من بعد، في كتاب لماذا يكرهوننا؟، ولذلك يبدأ بالنشأة الإرهابية لأمريكا وصراعها مع الآخر ومنطقها المبني على العنف والوحشية وقهر الشعوب واستغلال ثرواتها وتحقيق الأحلام، وهو منطق لم يتغير منذ زمن المكتشفين الأوائل لهذه القارة واليوم (هاهم أحفاد المكتشفين الأوائل الغزاة الأوائل يمضون إلى أهدافهم بالمنطق نفسه، أنت تقتل الآخر فأنت موجود! فمارسوا الذبح والقتل...دون أن يسمعوا لتلك الأصوات التي تناشدهم من كل مكان من العالم ألا يندفعوا وراء إغراء القوة، ولكن العنجهية والغرور الأمريكي أبى إلا يوصل تقدمه في حشد الجيوش كي يمارسوا الهواية القديمة الحديثة القتل دون رحمة) - 6 -لماذا يكرهوننا-

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

* من دراسة العقل السعودي في الميزان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة