Culture Magazine Monday  19/03/2007 G Issue 191
ذاكرة
الأثنين 29 ,صفر 1428   العدد  191
 
عبدالله السالمي السيف الذي انكسر
ليلى الأحيدب - الرياض

 

 

قال السالمي في لقاء قديم معه عن شجون القصة... قال (القصة سيفي الخشبي المكسور لمقاومة هذه اللغة الجائرة) هذا السيف الذي نجاهد طويلا ككتاب كيلا ينكسر ... أحيانا تكسره مكعبات الحديد الصلب التي تمنعه من قول ما يريد وأحيانا أخرى يكسره الأصدقاء... عشاق الكلمة... الذين يتحلقون حول نارها... ويبدون في وهجها أجمل من الحقيقة... هؤلاء... الذين خذلوا السالمي... ومر موته بهم مرورا طفيفا... (ألم يعتزل الكتابة ؟!!)...

نعم اعتزلها... لكنه ظل وفيا لقرار شجاع اتخذه... وهو الصمت.. الصمت الذي نتجنبه كثيرا مع أنه يزورنا... ويلح علينا... لكننا عشاق الضوء... لا نريد أن نخسر هذا الوهج... حتى لو بالحضور الباهت... السالمي حسمها مبكرا... وبقيت (مكعبات من الرطوبة) مجموعته القصصية الرائعة علامة فارقة في مسيرتي القصصية على الأقل... يصدمني كثيرا أن لا يعرف عبدالله السالمي كثيرون... لأن من يحب القصة... لا بد أن يحب روادها الأوائل.. لا بد أن يبحث عنهم.. لابد أن يتلمس كلماتهم... ويحاورها... وأنا عن نفسي بحثت عن السالمي.. منذ أن شعرت أن القصة قدري في الكتابة... بحثت عن مشري... بحثت عن جار الله وباخشوين.. تماسيت معهم في أكثر من كتابة... وكنت أقرؤهم مرة .. ومرتين وثلاثا... أقرؤهم لأكون قادرة على الكتابة أفضل وأفضل... قرأتهم لأنني أحب الكلمة الصادقة... أحب الكلمة الشفيفة.. أحب كيمياء الأحرف.. حين تجمعني بمبدع جميل... لذلك أحببت كلمة السالمي وكتبتت مقالا احتاجيا على صمته عام 1408هـ... ورد السالمي عليه بمقال في جريدة الرياض.. يحمل رؤية صادقة.. لطريقه الذي اختاره، قال في نفس اللقاء:

حين تكون الكتابة عشقا وفناء.. محاولة وحيدة للتواصل تحقيق التلاقي عبر الحلم والذاكرة فإن توقعات اللقاء العذب تصاب أحيانا بالخيبة لبرودة المناخات التي تحكم اللقاء.. تحدد مواعيده وتفرض طقوسه عندها تتراكم المرارة والإحساس الخائب بأن الأحلام بلا أجنحة.. ثمة فترة شعرت فيها بأنه لا فائدة.. الدائرة تضيق واللغة مجهدة ومتعبة في محاولتها المستمرة لتخطي الحواجز والأسلاك الشائكة ثم حد أدنى للتنفس.. بعده يبدأ الاختناق والحشرجة.. هل هي هشاشة الصلابة المبكرة؟!! أم ارتخاء الجواد المتعب؟.. أتعبه الركض في الدروب التي تدور حول نفسها لا أدري لكني قابلت مرة إبراهيم الفوزان وكان شاعرا واعدا.. وكنت قد افتقدته منذ زمن ثم رأيته جالسا يلعب الورق!! فرحت بلقائه لكنه لم يفرح وسألني بغرابة عما إذا كنت ما أزال أكتب، بعد ذلك أخذت أتذكر إبراهيم الفوزان كثيرا وكنت أظنني قد أغلقت الباب.. في لا وعيي حرصت على ألا أسمع صوت انغلاقه .. رددته على مهل وأبقيت يدي على مقبض الباب.. استندت إلى الجدار فارغا.. يالراحة الارتخاء.. وداعا لأيام اللهفة والركض مرحبا بزمن العادة وغياب الأسئلة.. لا وقت للحزن أو الدهشة .. يالروعة الكابوس ونعمة الانحاء.

رغم ذلك كان الحزن أحيانا يأتي مفاجئا مثل وخزات الألم السريعة.. وذكرى الفرح الأول توقظ محاولات النوم البليد لكن طعم الخيبة لاتزال.. وهكذا حرصت أن أنسى.. ثم جاء من يطرق الباب.. كان الطرق عنيفا متواصلا.. حاولت أن أواصل النوم.. فلم أستطع.. قمت وفتحت الباب.. لم أجد أحدا.. لكن نسمة هواء باردة مرت بوجهي أيقظتني وأفزعتني معا.. وفي الصباح التالي ضعت في شوارع لم أعد أذكر اسمها.. ومازلت ضائعا وحزينا هذه المرة).

هذه هي فلسفة السالمي التي قادته لدرب الصمت... لكننا لم نصمت... أليس كذلك... ما زلنا نمارس حضورنا الباهت أحيانا.. والمخجل أحيانا أخرى... لازلنا نلتمس الضوء... وفي داخلنا خوف من فقده!!!

يحتاج بعضنا لفلسفة السالمي... كي يهدأ ...كي يصمت ... كي يتحرر مثلما فعل السالمي، وحسبي أن السالمي كان صادقا مع نفسه ومع الكلمة.. أتمنى أن يكون للسالمي.. القاص والمبدع الذي فقدناه... حضور في مناشط وزارة الثقافة والإعلام... أو ربما يسمون باسمه ممرا أو قاعة من قاعات معارض الكتب القادمة.

ما الفرق بين حمد الحجي... وعبدالله السالمي؟!! كلاهما... صمت مبكرا... وإن اختلفت الأسباب.... بل السالمي صمت بعد أن قدم عملا متجاوزا مطبوعا.. الحجي لم يسعفه الوقت .. ولا الظروف ... وأسعدني هذا الوفاء له حين خصص له ممر في معرض الكتاب الماضي وإن كنا نحلم كمثقفين أن يتجاوز التكريم.. ممرا في معرض .. للحجي وللسالمي .. ولكثيرين غيرهم.. ندائي لوزير الثقافة الأستاذ إياد مدني... أن يبهجنا بلمسة وفاء لعبدالله السالمي... وهو أمر أظنه جديرا به... وأجزم أن وزيرنا الرائع... سيحققه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة