Culture Magazine Monday  19/03/2007 G Issue 191
ذاكرة
الأثنين 29 ,صفر 1428   العدد  191
 

(السالمي) بين منطلقات محفوظ ومناداة ماركيز
جبير المليحان

 

 

رحيل السالمي في هذا الوقت هو فاجعة وألم لا يمكن لنا تجاوزها دون عناء ومشقة، لأننا أحوج ما نكون إلى كتاب لهم خبرة في مجال الإبداع رغم تواريهم ونأيهم على نحو ما فعل صديقنا الراحل السالمي قبل موته. لقاءاتي بالراحل السالمي كانت محدودة، فكانت أبرزها وآخرها في مدينة الخبر أثناء توقفه عن الكتابة، حيث ذكر أنه كان متبرماً من المشهد الثقافي، والمعرفي الذي لم تعد فضاءاته رحبة بما يكفي على حد وصفه -رحمه الله. ويرجع أسباب غياب القاص السالمي عن المشهد الثقافي والأدبي لدينا إلى أنه من جيل شعر بأن المشروع الثقافي والإبداعي غير مجد في ظل هالة من المثبطات والمعوقات التي تعترض سبيل النشر في أوقات سابقة، إلا أنه بات لزاماً على هؤلاء المبتعدين عن المشهد الأدبي أن يكونوا أكثر محافظة على مشروعهم الكتابي في ظل هذا التحول النوعي في نمط التعاطي مع الكتابة الآن، مما يكفل أدنى درجات التواصل مع المشهد الثقافي والمعرفي، حيث يرى أن من أسباب عزوف الراحل السالمي ومجموعة من الكتاب من أمثال فهد الخليوي، وسارة بوحيمد، وصبر الحائلي، وعهود الشبل وآخرين، حيث آثروا الصمت على الحضور في ظل ذلك الغياب لفرص النشر والتعبير آنذاك.

فالراحل السالمي هو من الجيل الوسط، حيث أخذ على عاتقه مهمة التجديد في العمل القصصي، في وقت خرجت في تلك الفترة مدرسة واحدة كان السالمي هو أحد فرسانها، حيث تمثل مشروعها الإبداعي في رغبة الخروج من أدب المحاكاة إلى تجارب أكثر تجديداً في اللغة والحدث.

فعمل السالمي الوحيد الموسوم بعنوان (مكعبات من الرطوبة) تجربة قصصية جميلة ورائدة في مجال الكتابة القصصية في بلادنا، فالكاتب وضع نصب عينيه تصوير المرحلة الإنسانية.. تلك التي لا تقبل المساومة وأنصاف الحلول ليصنع من هذه الفرضية واقعاً إنسانياً فاعلاً في الحياة من حولنا.

أما اللغة في قصص السالمي فجاءت سهلة وتحاكي في توجهها نحو القارئ تجربة وأسلوب الروائي نجيب محفوظ، حيث تتكثف الأحداث اليومية البسيطة في القصص فيما تحافظ اللغة على حضورها القوي، لتأتي المفردة محركة للمشهد العام للسرد، ومتعاضدة في هذا الاتجاه مع متطلبات النص الذي يؤصل فكرة الحكاية الضرورية في حياتنا.

إن كل قصة من قصص مجموعة (مكعبات الرطوبة) تسجل في بنائها وتدافع أحداثها مشهداً رائياً مختصراً، حيث تتمتع كل قصة بإطار عام وبلغة مبسطة تتكئ على جانب سرد الحكاية تلو الأخرى لتشكل هذا النسيج القصصي المترامي.

الراحل قاص يسعى لإيصال الفكرة إلى القارئ معتمداً على مشاهدات كثيرة، ومشحوناً بعاطفة جياشة تجاه الشخوص الذين يحاول دائماً أن ينتصر لهم في هذه المقاربات اليومية.

في النهاية: رحيل الكاتب السالمي يعد خسارة واضحة في مشروعنا الثقافي والأدبي، لأننا -حسب رؤيته- بحاجة إلى تواصل هؤلاء قبل موتهم، بأي حالة من حالات الأدب والكتابة سواء اليومية الدارجة أو الإبداعية المتأنية، لأننا كما يقول بحاجة إلى طرد الكآبة والحزن من خلال هذا التواصل الحميمي مع الكتابة.. حيث يذكرنا بمقولة (غابريل غارسيا مراكيز) حينما ظل يؤكد دائماً على أننا بحاجة للكتابة من أجل أن نقف في وجه الحزن والكآبة، فهذا الاحتياج من الوعي يكمن فيما يقدمه المبدع الحقيقي.. ذلك الذي يقاوم هواجس الدمار والحروب والكوارث الإنسانية بقلمه الذي يفجر في الذات صور التفاؤل بحياة ممكنة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة