Culture Magazine Monday  26/01/2009 G Issue 268
فضاءات
الأثنين 29 ,محرم 1430   العدد  268
تراجيديا الصراع..(2-2)
سكينة المشيخص

 

صراع وظيفي

فيما تلا ذلك من تطورات بشرية وإنسانية بقي الصراع على ما هو عليه مع فارق طفيف في نوعية القيم ورسوخ الإيمان في النفوس بوصفه هاديا ودليلا للنفوس في بحثها عن الفضيلة أو الأخلاق الأفضل أو حتى القيم التي يتعامل بها الناس من أجل حياة أكثر طمأنينة ورشدا، فرسولنا الكريم (عليه أفضل الصلاة والتسليم) وجد أخلاقا حميدة وسط قومه وهو القائل (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولكنه دخل صراعا مع هؤلاء في نبوته ورسالته رغم الشواهد والدلالات العقلية والحسية التي توفرت حينها ولاتزال، غير أنه لم يخسر الصراع وإنما كسبه ووكان فتح مكة التاريخ الحاسم لنهاية الصراع مع قريش وبقية قبائل العرب التي لم تؤمن وهو صراع وظيفي له دلالاته المتعددة في هداية الناس وترسيخ معان جديدة ومتطورة لقيم نبيلة كثيرة وفي مقدمتها الصبر والصدق والإخلاص، وقريش من خلال السيرة، كمجموعة بشرية، كان لديها نزوع كبير لمواصلة الصراع لأسباب تتعلق ببقائها كقوة رائدة ومهمة وسط القبائل العربية وكانت ترى الدين الجديد مهددا لوجودها (بحسب رؤيتهم : دين يفرق بين الأب وابنه والرجل وصاحبته) ويجعل (الملك) في بني هاشم وهم أحد بطونهم مما يفسر هشاشة التوازن بين المجموعات القبلية وقابليته للانتقال الى الصراع في أي حال ووقت.

صدام الحضارات

وعلى مر التاريخ بعد ظهور الديانات أصبح للصراع ظروف مختلفة تعتمد بالأساس على ميل الناس الى الدين وحاجتهم للقوة السماوية وغير المرئية، فقام كثير من القادة باستخدام ذلك في صراعاتهم، فالمسيحيين لم يكونوا أصحاب حرب لغلبة الأبعاد الروحية في نفوسهم (فهي ديانة تدير الخد الأيسر لمن يصفع الأيمن)، ولكن القديس أوغسطين (القرن الرابع الميلادي) رأى أن الثقافة المسيحية لا يمكن أن تصمد في وجه الثقافة اليونانية – الرومانية، وتدبر أمره الى أن سمع صوتا يقول له اقرأ فأبى فكرر الصوت هذه الكلمة ثلاث مرات، عندها ذهب إلى الكتاب المقدس وقرأ، فاقتنع واعتنق المسيحية، فاتجه الى القضاء على الثقافة اليونانية - الرومانية عن طريق العنف، م ن خلال ما أسماه (الحرب العادلة) و(الحرب المقدسة) وأطلق على الحضارة اليونانية - الرومانية اسم (الحضارة الوثنية)، وذات الأمر فعله حمورابي، حين إدعى أن الله أنزل إليه القوانين وألهمه كل موادها، فجعل قتل المسيحي لأي وثني لا يخضع لأي محاسبة أو محاكمة أو مساءلة، وبذلك تمّ القضاء على ثقافيتين كبيرتين عرفهما العالم في تاريخه السابق، ولكن بهذا التفكير وتوظيف الدين في قضية البقاء والسيطرة أصبح الصراع أكثر شراسة ووحشية رغم التطور الحضاري الهائل على مر التاريخ، ولعلنا في عالمنا المعاصر نشهد أكثر تحولات وميكانيزمات الصراع قوة وبروزا، وآخر ذلك ما توصل اليه الباحثان صامويل هنتنجتون وهو أمريكي الأصل والثاني هو فرانسيس فوكوياما الياباني الأصل والأمريكي الجنسية، وهنتجتون نشر مقالا بعنوان (صدام الحضارات) ثم طبع كتابه بعنوان ( صراع الحضارات) والذي تناول فيه مفهوم الحضارات، ميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، العودة إلى المحلية والتأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية للحضارات، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية، ومستقبل الغرب وحضارات العالم.

ويبقى الصراع

ويمكن من خلال كتاب هنتجتون ملاحظة أن أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة، والصراعات الأكثر ترجيحا، هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة إلى أخرى كما أن القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلاً إلى الحضارات غير الغربية، وبالنسبة لفرنسيس فوكوياما، فقد تناول المسألة من ناحية الصراع الذي استمر لأكثر من خمسة وسبعين عاما بين الاتحاد السوفيتي والأيدولوجية الشيوعية والولايات المتحدة وفكرة الرأسمالية المتحررة من أي قيد والذي انتهي بفوز الرأسمالية، وقال إن علي العالم أن يتقبل النظام الجديد بكل ما فيه من حرية وأن الولايات المتحدة هي التي بدت تسطر نهاية التاريخ بعد تبنيها للفكر المتحرر والديمقراطية والرأسمالية للعالم، وهو بهذا الرأى تعارض كثيرا مع هنتجتون، فالأول قسم الصراع الحضاري لخمسة منافسين (الصين، اليابان، الهند، الإسلام، إفريقيا، أمريكا اللاتينية) بينما هو قسم الحضارات حسب كل نظام (شيوعي، رأسمالي، ....الخ) وعليه يبقى حال الصراع على ما هو عليه الى قيام الساعة كاستخلاص طبيعي لتوفر الظروف التي تبقيه مؤثرا في حياة البشرية ومفارقاتها العميقة.

المدينة المنورة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة