Culture Magazine Thursday  26/05/2011 G Issue 343
فضاءات
الخميس 23 ,جمادى الثانية 1432   العدد  343
 
أسماء خالدة في ساحات الكون!
خالد الخنين
-

المبدعون هم تلك الصفوة التي عبرت تاريخ البشرية على امتداد مسيرة الكون، وسيرورة الخلق، إنهم أولئك الذين أقاموا محطات انتقلت فيها البشرية من ظلمات الجهل والضياع وعبثية الحياة.

المبدعون هم تلك الإضاءة التي أنارت دروب الإنسانية وحددت أهدافها وقيمها وتاريخها، وجغرافيتها ولونتها بكل صور الحياة. امتثالاً لخالق الأرض والسموات (.. إني جاعل في الأرض خليفة. قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال إني أعلم ما لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها... الآية).

هذا الإيحاء الإلهي لأنبيائه ورسله، وأصفيائه من خلقه.. هو الذي حدد مسارات البشرية ونظم شئون حياتها، وشدها بوساطة العقل الذي منحه الله لهذا الكائن البشري حيث اختاره الله خليفته في الأرض لأعمارها وصلاحها وإصلاحها شده إلى عبادة الله وحده وأن يكون رسول محبة وسلام ونور حتى إذا تحققت تلك الرسالات، وعمت فجاج الأرض، وأضاءت معمورة الكون في كل الأصقاع والبقاع. أخذت صفوة متميزة تحمل رسالتها الإبداعية لتنتقل بالبشرية إلى فضاءات أرحب وأجمل وأكثر إشراقاً وتقدما وهو ما تم التعارف عليه بالحضارات، وبناء الأكوان.

في كل عصر من العصور ينهض المبدعون، والمبدعون وحدهم بأممهم وشعوبهم؛ ليضيفوا للبشرية مداميك حضارية ويجددوا ما درس، وينيروا العقل ليرتقي في آفاق المعرفة وتحقيق رسالة الله في الأرض..

هؤلاء المبدعون هم الذين لا يتكررون في كل زمان، وإنما هم ومضات كونية تحدث تغيراً وتجدد منهجاً وسولكاً ثم تختفي، فيأتي من بعدها مبدعون آخرون.

هؤلاء هم الذين أعطوا أوطانهم وأممهم النكهة الخاصة بهم وفي العصور المتأخرة فإن اسم الشيخ حمد الجاسر/ رحمه الله يعني الجزيرة العربية - المملكة العربية السعودية - وشكسبير يعني بريطانيا، واسم أحمد شوقي يعني مصر، وجبران يعني لبنان، وبتهوفن يعني ألمانيا، وروفائيل يعني إيطاليا وتشيكوف يعني روسيا. وغيرهم الكثير الكثير ممن لونوا الحياة وأعلوا البناء.

والأمم الأخرى تعنى بمبدعيها ورجال الفكر والأدب والعلم فيها فهي تقيم المهرجانات والمؤتمرات في كل عام احتفالاً بعالم أو شاعر أو مفكر ترى أنه حقق إنجازاً أو معرفة أثرت تاريخها، وشدت الأمم الأخرى إليها. فتحولت هذه الرموز الشامخة إلى معالم حضارية يرتادها السائحون والباحثون.

وحدها الأمة العربية التي لا تقرأ تاريخ علمائها ومفكريها وأدبائها وشعرائها.. وإن تمت القراءة فهي من باب الثقافة ليس إلا. والأمر لم يقف عند حد الإهمال والقطيعة لهؤلاء الشوامخ والرموز... وإنما يسعى البعض من الأكاديميين ممن يرون أنفسهم مجددين وحداثيين إلى أعمال معول الهدم والتشهير والتجريح، والشك والارتياب فيما خلفه هؤلاء المبدعون العرب، والبعض يصل إلى حد الإنكار لهذه الشخصيات، وأن ما تركته لا يساوي أي معيار في تاريخ الحضارة.

هذا الخلل الذي استشرى في تاريخنا المعاصر بحجة التحديث والنهوض بالأمة من كبواتها السياسية أضحى يهدد بتشويه تراث الأمة ومعارفها وآدابها ولغتها، وهو أمر إن لم يتم التصدي له ولن يكون ذلك إلا بإضاءة الساحات الفكرية بالاهتمام بالمبدعين في كافة حقول المعرفة وتعريف الأجيال بهم تعليماً وإعلاماً وإقامة الأيام المخلدة لذكراهم. وهذا هو مقياس الأمم الحية التي تمجد ماضيها وتتطلع إلى مستقبلها معتزة بتراثها وموروثها واضعة قدماً في الماضي ويداً ممدودة إلى المستقبل.

-

+ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة