Culture Magazine Thursday  07/03/2013 G Issue 399
فضاءات
الخميس 25 ,ربيع الثاني 1434   العدد  399
 
عن الصورة.. وأشياء أخرى!
بثينة الإبراهيم

 

«تملك الصورة القوة لنقل ما هو أبعد من الكلمات»

وليام شيرلي

* غرّرتِ الصورة المنعكسة على صفحة الماء قديماً بنارسيس الذي ظن صورته امرأةً فاتنة فعشقها ومات غرقاً، ولم يكن حظّ كلب إيسوب بأفضل من ذلك، فهو أيضاً قد خدعه خياله المائي وطمع بقطعة اللحم فكان أن حصد «اللاشيء» وفاز النهرُ مرتين، بقطعة اللحم وبزهرة النرجس التي نبتت بدلاً من الفتى الذي صار رمزاً لحب الذات!

* يبدو أن العالمَ يتحوّل مؤخراً إلى صورةٍ كبيرةٍ، أو بالأحرى إلى لوحة فسيفساء، تغرّر بنا جزيئاتها، ورغماً عنا نجد أنفسنا قد صرنا حجراً من هذه اللوحة، لامعاً مضيئاً أول أيّامه ثم ما يلبث أن يخفت ضياؤه حين يزاحمه حجرٌ أكثر لمعاناً وإشراقاً، وإن كان بريقُه مزيفاً، لكنّ العين تحتاج وقتاً تألف فيه النور الجديد!

* وإن كان الإنسان في العصور القديمة، قبل الحضارة وبعدها، قد اعتمد الصورة في التأريخ لحياته بدءاً بإنسان الكهف الذي خلّد «بطولاته» في قنص الطرائد مروراً بالفراعنة الذين لم يفوّتوا تفصيلاً من تفاصيل حياتهم دون تجسيد بالصور والجداريات، وربما لا نكون مغالين لو قلنا إن الهيروغليفية هي في أساسها صور، فإننا في العصور الحديثة لا يبدو أننا حدْنا عن طريق أسلافنا في التوثيق الصوَري «نسبةً إلى الصور»!

* ربّما كان لحاق العربِ ببقيّة الأمم فيما يتعلق بالتصوير والرسوم متأخراً، وربما كان الشكل الأوحد الذي عرفوه للصورة هو في الأصنام التي كانوا ينحتونها بغرض العبادة قبل الإسلام، وتخلصوا بعد دخولهم الإسلام من الجدل الدائر حول جواز التصوير، بتزيين المباني بالخط العربي-الذي غدا فناً متفرداً بذاته- أو بالزخرفة النباتية والهندسية.

* اليوم لا نكادُ نترك تفصيلاً من حياتنا يمرّ دون أن نوثّقه «أو نوثِقَه» بصورة، تسعف ذواكرنا إن خانتنا للحظةٍ، نحاول القبض على الزمن والماضي منه تحديداً فنجمّده، سواء أكان ذلك على صعيد الحياة الشخصية - ما بين السعادة بإنجازٍ أو لحظات فرحٍ قد تكون ضنينة والفتنة بفنجان قهوةٍ متقن الصنع قلباً وقالباً - أم على صعيد عالمٍ يغدو أصغر فأصغر! كلّنا نحتفظ بقنابلَ موقوتةٍ، يشتعل فتيلها لحظةَ تصفّحنا، وينسكب الحنين إلى «بشر، تواريخ، وأمكنة»، ولاتِ حينَ مناص!

* لا يبدو أنّنا سنتحرّر من سطوة الصورة قريباً، بل على النقيض من ذلك يبدو أنّنا نتّجه لنغدوَ أكثر صوَريّة، والذي يجعلنا نؤول إلى ذلك الرغبة بالاحتفاظ بكبسولات إنعاشٍ فعّالةٍ لذاكرةٍ يصيبها العطب بسهولة- ما دمنا نعتمد على الذاكرة الاصطناعية لحفظ تفاصيل حياتنا كافة حتى لقد قيل إنّه سيأتي يومٌ يعدّ فيه من يحفظ جدول الضرب غيباً ثروةً قومية!- وبخاصةٍ أنّ وسائل إعداد هذه الكبسولات صارت في متناول اليد، للصغير قبل الكبير، كما أنّ وسائل نشرها غدت متاحةً أكثر سواء أكان ذلك في برامج الصور المتخصصة أو في المدونات وومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

* في غمرة كل هذه المؤثرات البصريّةِ، هل سيأتي على الإنسان حينٌ من الدهر فيكون صورة؟! هل تتحول لغات تواصلنا التي تنحسر شيئاً فشيئاً لتصير صورة؟!! يبدو أنّه «في عصرٍ من الصور الاصطناعية والعواطف الاصطناعية، ستغدو فرصة اللقاء بالواقع - مصادفةً- ضئيلةً جداً»!!

القاهرة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة