Culture Magazine Thursday  07/03/2013 G Issue 399
تشكيل
الخميس 25 ,ربيع الثاني 1434   العدد  399
 
محطات تشكيلية
تواصل من خلاله حضورها الريادي
همس الورود لبدرية الناصر يثير إعجاب زوار قاعة داما آرت

 

إعداد: محمد المنيف / تصوير: عبد الله بن صقر

تزخر الساحة التشكيلية المحلية بالمملكة العربية السعودية بأجيال عدة في مجال الفنون التشكيلية، كل منهم يدلي بدلوه، ويساهم في مسيرة هذا الفن. ومهما تتابعت هذه الأجيال وصولاً إلى ما أصبحت عليه الساحة من تنافس وحضور مؤثر من الأجيال الشابة صاحبة التجارب الأكثر سعياً نحو التحديث، وعدم الوقوف عند محطة أو مرحلة، إلا أن للجيل المؤسس لهذا الفن من أصحاب ريادة البدايات شأناً لا يمكن إغفاله أو تجاهله، وهو مبدأ تسير عليه كل الحضارات، بالدعم للجيد والمحافظة على ما سبق من تجارب. وإذا كان البعض يرى أن الحضور الغالب على الساحة هم من التشكيليين إلا أنه لا يمكن تجاهل ما للتشكيليات من مساهمات أضفت الكثير على الساحة، فكثير من الأسماء البارزة قد لعبت دوراً لافتاً في الحركة، وشكلت مساراً فنياً لا يمكن تجاهله.

وعند الرصد لهذه الأسماء سوف يتوقف الراصد أو الباحث أمام اسم الفنانة بدرية الناصر، التي انطلقت في الثمانينيات، وبرزت في أعمالها عناصر البيئة السعودية ومفردات التراث التي عايشتها في الواقع وتشكلت لوحتها بخصوصية ورؤى فنية صقلتها ثقافة الفنانة وشاعريتها التي جمعت فيها الموهبتين (الفن التشكيلي والإبداع الأدبي) فأصبحت بهما محترفة، تجيء لوحتها متفردة ومازجة بين الماضي والحاضر وبين الرجل والمرأة وبين مفردات الواقع والخيال وبين عشق الوطن والأرض.

همس الورود والحس الأدبي

تقول الفنان بدرية في لقاء لها مع مجلة (هي) إن هدفها من معرض «همس الورد» هو أن نعيش لحظات الجمال، لحظات رُقي وأمل، فالعالم من حولنا بدأ يضج بأشياء قبيحة من حروب وجوع وفقر نشاهده من خلال الأخبار «فانطلقتُ من هذه الزاوية وهي زاوية الجمال، وأهدف إلى أن أجعل كل من يدخل معرضي يشعر بالهدوء والسكينة، ويُقدِّر الجمال الذي ما زال موجوداً، فيكتشف أن في الحياة ناحية جميلة، وكأنه يدخل إلى مكان يَعْزف موسيقى راقية هادئة، في حين يمتلئ العالم الخارجي بالضجيج والصراخ».

قدمت في هذا المعرض الذي أقيم في قاعة داما للفنون بمدينة جدة 36، لوحة تنوعت فيها المواضيع، واختلفت الأحجام، وحولتها الفنانة بدرية إلى أطباق من الإبداع إلى أعين المتلقين من زوار المعرض، استخلصت فيها تجربتها الطويلة التي أكدت فيها أسلوبها الذي تميزت به من خلال عناصر اللوحة ومقوماتها في التقنية أو في الموضوع. وكان من بين ما تميزت به كيفية تقديمها للوحة أو الموضوع بشكل روائي أكثر منه نقلاً للواقع أو تسجيله كما هو، بقدر ما أضافت وأضفت عليه الكثير من الخصوصية التي قد لا نراها في كثير من أعمال فنانات أخريات.

كما تتجلى ملامح الخصوصية في بحثها عن زوايا قد لا تكون مرئية أو معتادة عند التعبير عن مشاعر مكبوتة في جانب الحب، فتأخذ المشاهد إلى عوالم ومساحات من الخيال، تمنحه رموزاً من الواقع، تجعلها كمفاتيح للدخول إلى ذلك الشيء الجميل والمباح وغير المعلن؛ فهي ترى في الوردة أو الزهرة أو أوراق الرسائل والقصائد ووجه المرأة بكل عواطفها نوافذ وطرقاً ومسالك لأعماق الوجدان، تثير التساؤلات، وتشعل الرغبة في معرفة حقيقة تلك الصور الخيالية التي تشكلت واقعاً على اللوحة، لكنها تصبح في دائرة أن المعنى في قلب الشاعر، وأن من يتعامل بأي أداة من أدوات التعبير، ومنها اللوحة، يلتقي مع ما قال تعالى في الشعراء {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}.

فنانة تؤثر غيرها على نفسها

هذه هي الفنانة بدرية الناصر التي تُعد من رائدات البدايات لهذا الفن في وقت لم يكن فيه من التشكيليات إلا القلة، وفي مناطق فيها من القناعة بدخول المرأة في هذا المجال ما منح الكثيرات الشهرة والحضور الفني والإعلامي، لكنها رغم ما تمتلكه من قدرة في أولى خطواتها لم تكن محظوظة بمجتمع يحتويها إلا بعد أن غصت الساحة بالتشكيليات المتسابقات على الإعلام أكثر من قدرتهن على الإبداع كما هي الفنانة بدرية ومثيلاتها من المبدعات. كان حضورها قويا حينما تشارك، وعند غيابها تطرح علامات الاستفهام، لكنها آثرت الآخرين على نفسها، ومع ذلك لا تزال رمزاً في الساحة وفي التعليم للتربية الفنية التي نجزم بأنها قدمت للساحة الكثير من المبدعات خلال عملها في تعليم التربية الفنية.

عادت بدرية إلى المعارض الشخصية أو الفردية وهي الحراك الحقيقي التي يثبت فيها الفنان قدراته، ويلملم أوراق تجاربه، وتذكر بهذه المعارض جيلها ومن جاء بعده، وتعرف بنفسها إلى الأجيال الجديدة، فأول خطوة لها كانت في معرضها الأول في الدمام عام 1415هـ، بعنوان «قصائد ملونة»، تلاه معارض أخرى في الأحساء والخبر والرياض، وبهذا المعرض الأخير في جدة كسرت حاجز الخوف والتردد الذي حاصرها كثيراً في سنوات مضت، كانت فيه أكثر قلقاً من هيبة مثل هذا الإنجاز.

نختم بالقول إن حضور وتحرك الفنانة بدرية الناصر يدفعان بالكثير من التشكيليات لإعادة النظر في أعمالهن وتجاربهن السريعة أمام هذا الجهد والصبر والبحث في أعماق العمل الفني. لم تكن الفنانة بدرية الناصر مستعجلة في طرحها ولا باحثة عن فرص بالظهور بقدر ما كانت تعيش بكل ما فيها في عالمها التشكيلي، ترسم الاسكتش وتنقله إلى اللوحة وتحاوره وتتفاعل معه ثم تقرر عرضه، ولكن بعد جهد واجتهاد وقناعة تقدم في النهاية عملاً ناضجاً في الفكرة ومتقناً في التنفيذ.

monif.art@msn.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة