Al Jazirah Magazine Tuesday  16/01/2007 G Issue 202
الملف السياسي
الثلاثاء 27 ,ذو الحجة 1427   العدد  202
 

جدل أمريكي حول حقيقة بدء الحرب الأهلية في العراق

 

 

لم يكن أحد في العاصمة الأمريكية واشنطن سواء من النخبة السياسية أو النخبة الإعلامية يتمنى أو يرغب في استخدام تعبير الحرب الأهلية في وصف ما يجري في العراق حاليا خاصة وأن تدهور الأمور إلى حالة الحرب الأهلية يعني إعلان الهزيمة الكاملة للولايات المتحدة مهما كانت حقيقة الموقف العسكري.

فلا يمكن للولايات المتحدة أن تزعم في أي لحظة من اللحظات أنها حققت انتصارا بغزوها للعراق إذا كانت النتيجة المباشرة لهذا الغزو هي غرق الدولة العراقية في مستنقع الحرب الأهلية.

وتحت عنوان (هل ما يجري في العراق حرب أهلية؟) نشرت صحيفة (كريستيان سياينس مونيتور) تناولت فيه هذه القضية من منظور الإعلام الأمريكي بشكل خاص.

تقول الصحيفة: إن وسائل الإعلام الأمريكية بدأت تعترف تدريجيا بأن ما يجري في العراق هو حرب أهلية.

وكانت شبكة إن.بي.سي الأمريكية قد قفزت قفزة كبيرة في تغطية أحداث العراق قبل أيام عندما كانت أول من استخدم عبارة (حرب أهلية) في وصف ما يجري بالعراق بعد أسابيع طويلة ظلت فيها وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى تدور حول هذا المصطلح المخيف.

فالبعض يستخدم تعبير (الصراع الطائفي) والبعض الآخر يستخدم تعبير (حافة الحرب الأهلية).

ورغم ذلك فإن الجدل يتزايد في الولايات المتحدة بشأن استخدام تعبير الحرب الأهلية وهو التعبير الذي مازالت الإدارة الأمريكية تحاول الهروب من استخدامه للإشارة إلى الأوضاع العراقية الراهنة.

والحقيقة أن أغلب الباحثين الذين يدرسون الحرب في العراق يعتبرون ما يجري هناك حربا أهلية والجدل بينهم يتركز فقط على تحديد الموعد الذي تحول فيه الصراع إلى حرب أهلية وهل حدث ذلك عام 2004 عندما نقل الاحتلال الأمريكي السلطة إلى العراقيين أو حدث هذا مطلع العام الحالي عندما تم تفجير مرقدي الهادي والعسكري الشيعيين في مدينة سامراء حيث اشتعلت موجة من العنف الطائفي. ويقول الأكاديميون: إن أي صراع يتحول إلى حرب أهلية عندما تخوضه مجموعات من دولة واحدة من أجل فرض السيطرة على الحكم ويرتفع عدد القتلى إلى أكثر من 1000 قتيل.

أما الأمريكيون العاديون فإن استطلاعات الرأي تقول: إن غالبيتهم يرون أن ما يجري في العراق هو حرب أهلية.

ولعل السبب الرئيسي في اشتعال الجدل بين الأمريكيين بشأن التوصيف الدقيق للحرب في العراق يعود إلى تزايد حدة العنف في العراق وارتفاع متوسط الضحايا إلى أكثر من 3000 قتيل شهريا أو إلى شعور وسائل الإعلام الأمريكية بقدر أكبر من الحرية في التعامل مع القضية بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي بحيث يمكن لهذه الوسائل الحديث كما تريد عن الحرب في العراق دون أن تتهم بالتحيز السياسي لأحد الحزبين في الانتخابات.

يقول ديفيد جيرجين الأستاذ في مدرسة الإدارة العامة بجامعة هارفارد والذي عمل مستشارا لأربعة رؤساء أمريكيين جمهوريين وديموقراطيين: (إن ما يحدث هو جدل سياسي وليس جدلا نظريا ولا منطقيا.. في السياسة هناك حكمة تقليدية تمسكنا بها لبعض الوقت تقول إنه إذا أدرك الرأي العام أن جنودنا موجودون في حرب أهلية فإنهم سوف يعتقدون أن بقاءهم هناك لا جدوى منه ويطالبون بالانسحاب السريع).

وأضاف أن مقاومة الإدارة الأمريكية لاستخدام تعبير الحرب الأهلية في وصف الأوضاع العراقية (مفهوم تماما من وجهة نظرها لأن الاعتراف بأن ما يجري هناك هو حرب أهلية سوف يقضي على البقية الباقية من مؤيدي الحرب الأمريكية ضد العراق).

والحقيقة أن مقاومة استخدام هذا التعبير المفزع لا يقتصر على الإدارة الأمريكية وحلفائها من البريطانيين ولكنها تمتد أيضا إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الذي قال: إن الأوضاع هناك تكاد تكون كذلك دون أن يصرح بالحقيقية لأنه كأمين عام للمنظمة الدولية مطالب بمراعاة العديد من المواءمات السياسية في تصريحاته.

فالرجل مطالب بالسير على (شعرة رفيعة) عند التعامل مع الملف العراقي في هذه اللحظة الحرجة حيث تدرس الإدارة الأمريكية وحلفاؤها في الغرب والشرق الأوسط الخطوة التالية بالعراق.

وعلى المستوى الأكاديمي كتب المؤرخ العسكري البريطاني الشهير جون كيجان في العدد الأخير من مجلة (بروسبكت) يقول: إن ما يجري في العراق لا ينطبق عليه وصف الحرب الأهلية وفقا للمعايير التي وضعها هو لمثل هذه الحروب ومنها عدم تحديد هوية المقاتلين على وجه دقيق.

ولكن الحقيقة أن معايير كيجان لم تنطبق إلا على خمس صراعات فقط منذ القرن السابع عشر اعتبرها المؤرخ البريطاني حربا أهلية في حين أن أستاذة التاريخ في جامعة كيندي الأمريكية مونيكا توفت تقول: إن العالم شهد 142 حربا أهلية منذ عام 1940 فقط.

في الوقت نفسه فإن التيار العام لوسائل الإعلام الأمريكية التي باتت تواجه تهديدا خطيرا لمصداقيتها الإخبارية بدأت تدرك أن ما تقوله الإدارة الأمريكية ليس أكثر من بيانات سياسية ليس لها علاقة بالحقيقة.

وقد اختارت أغلب تلك الشركات التخلي عن التعريف الحكومي للحرب الأهلية وبخاصة فيما يتعلق بالعراق على حد قول كريس هانسون أستاذ الصحافة في جامعة ميريلاند الأمريكية.

ولكن بيل كوفاتش مستشار مشروع التفوق الصحفي في الولايات المتحدة يقول: إن على الصحافة أن تتعامل مع الحقائق على الأرض بدلا من اتخاذ مواقفها بعيدا عن الحسابات السياسية غير أن توضيح هذه الحقيقة لأغلب المؤسسات الإعلامية الكبرى ينطوي على صعوبة بالغة.

فمنذ بداية الحرب الأمريكية ضد العراق اختارت أغلب وسائل الإعلام الأمريكية تقديم وصف مجرد لما يجري على الأرض دون محاولة تسمية الأشياء بأسمائها. ولكن يبدو أن عددا متزايدا من هذه الوسائل بدأت التفكير في تغيير طريقتها في التعامل مع الحدث.

فقد أصدر بيل كيلر رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة نيويورك تايمز إحدى أهم الصحف الأمريكية بيانا قال فيه إن مجلس التحرير قرر السماح للمراسلين والكتاب باستخدام تعبير الحرب الأهلية في وصف ما يجري بالعراق عندما يرون أن ذلك مناسبا.

وقال كيلر: سوف نستخدم المصطلح باهتمام شديد ولن نستخدمه من أجل تحقيق تأثيرات دراماتيكية لدى القارئ.. ولعل ما كان يحول دون استخدام تعبير الحرب الأهلية هو أنه لا يوجد مصطلح واحد يمكن أن يعبر عن الموقف المعقد على الأرض في العراق حيث يوجد احتلال ومقاومة وتمرد بعثي وعنف طائفي وجبهة في الحرب ضد الإرهاب وعصابات جريمة وأعمال ثأر وانتقام.

ونحن نعتقد أن تعبير الحرب الأهلية لن يستخدم كاختصار يشير إلى تلك الحرب شديدة التعقيد.

وبالمثل فإن صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تستخدم مجموعة كبيرة من التعبيرات للإشارة إلى ما يحدث في العراق.

وقد أشار تقريران إخباريان نشرا بها إلى (الحرب الأهلية العميقة) و(دفع العراق أكثر إلى الحرب الأهلية).

ويقول مارشال إنجويرسون مدير تحرير (كريستيان ساينس مونيتور): (نحاول إعطاء محررينا قدرا مقبولا من الحرية التحليلية لوصف ما يرونه على الأرض بلغة بسيطة ولكن بدون فرض استنتاجات محددة على القراء.. وفي النهاية أعتقد أن لغتنا تحولت تدريجيا بتحولات الموقف في العراق.

ويعتقد بعض المراقبين أن الرئيس بوش سوف يستسلم في النهاية للوعي المتزايد لدى الرأي العام ويقبل بوصف الموقف في العراق بأنه حالة حرب أهلية وبالتالي يشرح الخطوات التي يريد اتخاذها في مواجهة هذا الموقف. والحقيقة أن هناك فجوة كبيرة في الثقة بين الرأي العام والإدارة الأمريكية حاليا بشأن العراق ولا علاج لهذه الفجوة إلا من خلال تخلي الإدارة الأمريكية عن الألفاظ المراوغة ومحاولات إخفاء الحقيقة والعودة إلى الاعتراف بالحقيقة على الأرض كما هي.

يقول كريس جيلبي خبير الحرب والرأي العام في جامعة ديوك الأمريكية: من الأفضل لهم (الإدارة الأمريكية) القول: إن ما يجري في العراق هو حرب أهلية ثم يقولون (دعونا نقول لكم لماذا يجب علينا البقاء هناك ومواصلة القتال لتنفيذ هذه المهمة).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة