Wednesday 02/10/2013 Issue 14979 الاربعاء 26 ذو القعدة 1434 العدد
02-10-2013

إذا أنت لم تشرب مِراراً.. !

سكنتني مفردة (صِبا) مؤخراً، أحببتها بكافة تموجاتها، حركاتها وسكناتها، عقلها وجنونها.. لأكثر من سبب ربما ليس أولاً ولا آخراً معارضة للشاعر الذي يقول:

(لمياءُ هاتي العودَ نبكي صِبانا.. ذهبَ الزمانُ بوردِنا وندانا)

ولا استعادة لأبيات شعرية جميلة يتصدرها ذلك البيت:

ألا ياصَبا نجد هل هِجت من نجدِ.. لقد زادني مسراكِ وجداً على وجدِ

أحببت اندماج تلك الحروف التي توحي بأشياء جميلة مبهجة، لكنني أميل إلى الصّبا بفتح الصاد مع تشديدها وهي ريح لطيفة تهب من الشرق..

أجد هذه المفردة (صبا) مستقرة لدى البعض في بعض النصوص المتفردة بالجمال لدى بعض الكتاب المحترفين المتمكنين من اللغة العربية فمثلاً أجد كلمة (صبوة عشق) ضمن حديث لإدوارد الخراط فتصيبني صبوة عشق للغة، وأجدني أسير خلفها بقلب يخفق طالباً المزيد من هذا النهر اللغوي العذب الذي لاينضب.

صَبا هي الريح.. والريح أنواع منها اللطيف ومنها الشديد العاتي، منها البارد ومنها شديد الحرارة، منها الخجول المتخفي، ومنها الجسور الجريء الذي يعلن عن نفسه بلا تردد أو تراجع.. منها القوي الهادر المزمجر، وأنا أريد ذلك اللطيف.. هكذا تريد طبيعتك الإنسانية السوية المنحازة للحب والتأني والسلام.. لكن لأنك جزء من هذا العالم لاتستطيع فصل ذاتك عنه فأنت مجبرٌ على القبول بأنصاف الحلول، ستجد نفسك مجبراً على السير تحت المطر بلا مظلة أو الوقوف على عتبة الطريق في عز الظهيرة من باب :

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى *** ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

كل ذلك من أجل تطبيق هذه العبارة مااستطعت (تصادق مع الريح)..

وأيضاً لأجل القبول بأنصاف الحلول، وإن لم تتقبلها تقبلاً كاملاً ستفرض نفسها عليك.

منذ مراحل التعليم الأولى فهمت جيداً أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط، وهو الذي ينبغي عليك اتباعه، وها أنت تحاول جهدك كي تسير عليه، يحتاج ذلك منك كثيراً من الصبر والنضال لكنك لا تتراجع ولا تستسلم ولا تضعف، هي القيم والمبادئ والطموح إلى ماهو أعلى وأسمى في كافة مسارات حياتك، لكنك لست وحدك، ثمة أهل ومعارف، أحبة وأصدقاء تتمنى أن يكونوا دائماً أقرب إلى الخط المستقيم ما استطاعوا، لكن ذلك لا يحدث دائماً، إنك تراهم ينتمون إلى خطوط منحنية وأخرى منكسرة وأخرى شديدة التعرج والانحدار لاتدري ما الذي يمكن أن تفعله لمساعدتهم، لم ولن تستطيع شيئاً ماداموا غير قادرين على مساعدة أنفسهم.. وهكذا تمضي أيامك ولياليك واقفاً صامداً على عتبة الحلم.. تود الإمساك بكافة الخيوط الأصيلة والمقلدة، تود الموازنة بين كافة الخطوط مهما اشتد انحناؤها وانكسارها، لايبدو الموضوع متاحاً في متناول اليد لكنه يسهل ويهون حين تتشبث بالإيمان واليقين والتفاؤل بأن القادم أجمل.

 
مقالات أخرى للكاتب