Wednesday 02/10/2013 Issue 14979 الاربعاء 26 ذو القعدة 1434 العدد
02-10-2013

(العصبة) عائق التنمية الاجتماعية

منذ أزل التاريخ وحياة الناس وسلوكهم ومفاهيمهم في تغير متتابع، فما هو سائد اليوم لم يكن مقبولاً في الماضي، ولن يستمر في القبول في المستقبل، هذه الحقيقة استأسرت تفكيري بسؤال ملح عن السبب أو الأسباب التي تجعل الإنسان في تغيير مستمر لفهمه للحياة والتصرف على نحو ييسر له المعيشة، و يفسر غموض الطبيعة وتجلياتها، وكان من الصعب استجلاء هذا الأمر الواسع في انتشاره والعميق في طبيعته، لذا اخترت ظاهرة معروفة لدى الناس، ويلاحظ فيها التغير في مدى زمني قصير نسبياً، هذه الظاهرة هي (العصبة) وهي هنا للتدليل على اجتماع فئة من الناس حول أصول أو معتقد أو مفاهيم أو مكاسب يحتمون بها وتتضافر جهودهم لإبرازها، فقد تكون في صورة قبيلة أوقبائل أو منظومة اجتماعية أو انتماء مناطقي أو مذهبي ديني، وكثيرا ما يساء تفسيرها عندما يقال: إنها نوع من (العنصرية).

العصبة هي سلوك بيولوجي لا يقتصر على الإنسان فحسب، بل هي بين الطيور والأسماك والحيوانات ومن خلال ملاحظة هذه الظاهرة تبلور ما بات يسمى بسلوك العصبة، وهذا السلوك هو شيوع بين أفراد الفئة دون وجود آلية تنظم أو تحكم ذلك السلوك، ويشار لثلاثة أمور كمحددات للعصبة وهي:

(1) الانفصال، حيث يتصرف كل فرد بمحض إرادته دون وجود إرادة مركزية.

(2) التنسيق القسري، الذي من خلاله يعزز كل فرد بسلوكه المنفرد سيادة السلوك العصبي.

(3) التجانس، حيث تتجانس التصرفات الفردية في إطار مفاهيم مشتركة. هذه المحددات تشكل آلية عمل العصبة، وبقدر ما تكون شدتها بقدرما تكون العصبة متماسكة، والعصبة تنشأ نتيجة لوجود حاجة لها ضمن أفراد الفئة، وكثيرا ما تبرز في حالة الكوارث والأزمات ونتيجة وجود خطر داهم مشترك أو وجود خلل في البنية الاجتماعية، وتكاد تختفي عند استتباب الأمن وسيادة القانون والاستقرار السياسي والاقتصادي، وقد تختفي عصبة وتقوم خلفاً لها عصبة أخرى وبتشكيل فئوي مختلف عندما تختلف الظروف الاجتماعية والسياسية.

في المملكة تتجلى العصبة في ثلاثة محاور, المحور الأول هو القبلية، فحتى مع انحسار دور القبيلة كبناء اجتماعي سياسي يؤمن لأفرادها الحماية والهوية، فلا زالت القبلية تقوم بدور عصبي، حيث ينزع أفراد كل قبيلة لسلوك متماثل يتبلور في صورة تصرفات تفضيلية لبعضهم على الآخرين في عدة نشاطات حياتية، والمحور الثاني هو المناطقية، وهو في صورة مماثلة للقبلية غير أنه مختلف من حيث التكوين الفئوي، حيث يستمر الفرد في ممارسة عصبة المناطقية حتى وإن كان في منطقة أخرى ويلاحظ انتقال هذه العصبة من جيل إلى جيل آخر لم يولد ولم يعش في المنطقة التي ينتمي لعصبتها. المحور الثالث الذي قد يكون أقل المحاور بروزاً على السطح الاجتماعي ولكنه مؤثر في التكوين العام للتركيبة الاجتماعية، هذا المحور يمكن أن يشار له بالفئوية المدنية، وهو عصبة تقوم بين فئة تشترك في أصول عرقية أو تشترك في طبيعة جسدية أو شعور بالأقلية ضمن مجتمع أكبر، هذه المحاور الثلاثة هي الأهم، وقد يكون هناك محاور غيرها ولكنها لا تشكل عصبة مهمة أو أن العصبة التي تشكلها هي عصبة زمنية مؤقتة تزول سريعاً.

العصبة لا تشكل خطراً على الوحدة الاجتماعية والسياسية، ولكنها تمثل عائقاً في تحقيق التجانس الاجتماعي وتحدث خللاً في تحقيق العدالة الاجتماعية وممارسة الحقوق والمكتسبات العامة ومعطلاً للتنمية والتطور، لذا تسعى كثير من المجتمعات التي تشكل العصبة ظاهرة اجتماعية فيها إلى معالجة المسببات لنمو وسيادة العصبة، ومن أهم تلك المعالجات هو تمكين تطبيق القانون بعدالة وصرامة بحيث لا يجد الفرد حاجة لممارسة العصبة اكتساباً لحقوق أو تغليباً لتأثير. وحيث إننا من المجتمعات التي تطمح لتحقيق نمو اجتماعي يواكب النمو الاقتصادي فلا بد أن نعي أننا بحاجة لمعالجة تجليات العصبة من خلال خطة تغيير وطنية.

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

 
مقالات أخرى للكاتب