Tuesday 08/10/2013 Issue 14985 الثلاثاء 03 ذو الحجة 1434 العدد
08-10-2013

تأملات في بناء الوطن 5 لماذا يحتاجون إلى دعامات لسياراتهم؟ (2)

منذ سنين وأنا أتابع - ضمن ما أتابع من الظواهر المجتمعية - العلاقة بين المجتمع وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأجدها في توتُّر وتنافر متصاعد. سقف مطالباتها - لما تفرضه من تصرُّفات مفصلة بتبرير أنها الممارسة المسموح بها شرعاً - في صعود مستمر, ومركّز على افتراض نية الشر وارتكاب المحرّمات التي لابد من ضبطها ومنعها قبل أن تصبح فعلاً على أرض الواقع. اختزلت تفاعل الجنسين في العلاقة الجسدية البحتة. وبدأ التسلُّط بفرض تفاصيل الشكل والملابس كي لا تكون مثيرة للذكور بافتراض أنهم مفطورون على الضّعف أمام إغواء الفتنة, والاقتناع أنّ النساء همّهن الإغواء؛ ومن تغطية الشعر إلى تهمة التبرُّج لكلِّ من لا تتنقّب وفرض القفازات بون شاسع. وأصبح تجوُّل منسوبيها وإخضاع الناس للتحقيق لمجرّد شبهة الشك, أو القبض على أيّ رجل وامرأة للتأكد أنه محرم لها, وكأنّ المتوقّع أن يكونا منحرفين أخلاقياً إن لم يتم التأكد من وجود رابط شرعي.

أول ملاحظاتي حول تقرير الهيئة السنوي أنه يفتقد الدقّة في تقييم الذات. هناك غياب مؤشرات تقييم الأداء, ومعايير مقاييس النجاح في تحقيقها لأهدافها الرسمية؛ حيث بالتأكيد تصاعد أرقام الضبط التي تقوم بها, وفي المقابل تجاهل أيّ إشارة إلى تصاعد الشكوى مجتمعياً من تصرُّفات منسوبيها، وما تم بشأن ذلك, أو اتساع الفجوة النفسية بينها وبين الناس يدلُّ على أنّ هناك خللاً كبيراً في فهم دورها.

في الحقيقة لم تكن هذه المقاييس مجهولة منهم، فقد لاحظت أيضاً على مدى سنوات طويلة من الكتابة المنتظمة، أن هناك «قراء» يعلقون على كل من يتطرّق لتجاوزات منسوبي الهيئة يردعونه بتهم التغريب إن لم يكفروه. يردّون إليكترونياً في كل الصحف تحت نفس التواقيع والتوجُّه على كل من يشير متسائلاً عن الهيئة في محاولة لردعه. واضح أنّ من يعلّق بانتظام يومي لابد أنّ هناك من يدفع له راتباً رسمياً مقابل قيامه بذلك.

الآن بعد معاناة عقود من ملاحظة تكرار التعدِّي جسدياً حتى التسبُّب في الموت, ثم التبريرات الواهية وتبرئة المعتدين, يضجُّ المجتمع ضيقاً بما يجري, ويلجأ إلى أجهزة السلطة الأمنية الرسمية مستجيراً لإيقاف ما تراكم ويتراكم من تجاوزات.

وهناك إصرار رسمي جاد بضرورة تعديل هذه التصرُّفات. فهل في داخل الجهاز فئة تصرُّ على إفشال أي محاولة للتعديل وتظل تتجنّى على الناس؟ وعلى نفسها تجني! فالأدهى أنّ ضمنهم من ولاؤه لفئة متربِّصة خارج الجهاز يهمها استمرار توسيع الشق بين المجتمع والسلطة والأجهزة الرسمية, وترسيخ الشقاق من منطلق أنّ «كثر الدق يفك اللحام!».

وكلا «الهيئة» والمجتمع وقعا في الشق, والسلطة على شفير!! فمن الجدير بالحماية والإنقاذ؟؟

***

ويبقى تساؤل منطقي: ما هي بالضبط مبرّرات الازدواجية في وجود جهاز بهذه المواصفات والتكليف والتكلفة؟ إن كان أمنياً: لدينا الشرطة والمرور.. ولنصرف تكلفة بقائه وترشيده المتصاعدة على من يستحقها بالفعل: تدريب الشرطة ومنسوبي الأمن والمرور, ورفع درجة تأهيلهم ورواتبهم وتصرفهم إلى المستوى الجامعي اللائق بمن يمثل السلطة الرسمية. وإن كان جهازاً أخلاقياً: بعد عقود من تركيز التعليم العام على المحتوى الديني وهداية النشء إلى حسن الأخلاق, هل فشلنا في ذلك ؟؟ أليس وجود «جهاز حماية لأخلاق المجتمع» لزوم ما لا يلزم في مثاليات المجتمع المتديِّن وعصر التواصل التقني! ثم أكبر إهانة لكلِّ المجتمع بكل أطيافه، أن تؤكد أيّ جهة أننا مجتمع بلا أخلاق إلاّ في أجواء الترويع!! وماذا بقي للتنشئة في المنزل والتربية في المدارس والوعظ في المساجد؟ الأخلاق هي التعامل مع الآخر باحترام لحقوقه, وهي نتيجة ثقافة الوسطية والاعتدال والحوار والثقة.

الأخلاق القويمة ليست نتيجة الشك والتعدِّي! وفي دعم بنائها منذ الطفولة لا تحتاج أيّ سيارة أو مؤسسة لدعامات! وسنتابع الحوار.

 
مقالات أخرى للكاتب