Sunday 13/10/2013 Issue 14990 الأحد 08 ذو الحجة 1434 العدد
13-10-2013

جنيف - 2... ما هو الحل؟

أصبح الحديث عن مؤتمر جنيف - 2 يأخذ صفة اليقين، وحدد له الموعد الذى ينعقد فيه (منتصف نوفمبر) - فهل سيكون هذا المؤتمر هو المحطة الأخيره لثورة الشعب السوري؟ هل ستختزل دماء المائة ألف شهيد سوري إلى اتفاق دولي على حل وسط؟

الحلول الوسط - خاصة تلك التى يتدخل لصنعها طرف ثالث ويتم الاتفاق عليها - تأتي على نوعين:

النوع الأول يكون بين طرفين متكافئين تعبا من التنازع واقتنعا بضرورة التراضي والاتفاق، ودور الوسيط (أو الوسطاء) هو التوفيق بين هذين الطرفين للوصول إلى حل يقبله كل منهما. والنوع الثاني يكون على العكس من حل التراضي (النوع الأول): إنه حل ترضية يكون دور الوسطاء فيه هو أن يتفقوا هم على حل يرونه عادلاً، ويمكن إملاؤه على الطرفين المتنازعين أو على المعارض له منهما. ونود أن نفترض هنا أن الطرفين المتحاربين فى سوريا (طرف الشعب الثائر وطرف النظام الحاكم) متكافئان من الناحية العسكرية (والأصح القتالية - لأن النظام يملك قوة مسلحة بأحدث الأسلحة الفتاكة، بينما تتمثل قوة الثوار فى الوطنيين الشجعان الذين يقاتلون بعتاد محدود، وإن كانت تنظيماتهم ليست كلها على قلب رجل واحد). وهذا التكافؤ حقيقي على أرض الواقع في داخل سوريا، وإن لم يعترف به النظام. أما في الخارج فالوضع مختلف. سيكون ممثل قوى المعارضة السورية المناضلة في المؤتمر هو الائتلاف الوطني السوري الذى يرأسه في الوقت الحاضر (أحمد الجربا). هذا الائتلاف لا يبدو مؤتلفاً تماماً في الرأي؛ فإن عضو الائتلاف (كمال البدواني) يرى أن ما قاله أحمد الجربا عن استعداد الائتلاف لحضور المؤتمر إنما يعبر عن رأيه الشخصي، وأنه يتم تحت ضغوط دولية. وكذلك فإن عدداً من التنظيمات المحاربة داخل سوريا (بعضها ضمن الجيش الحر) هددت بسحب اعترافها بالائتلاف لموافقته على المشاركة في مؤتمر جنيف-2. هذا التفرق في الرأي لن يلغي المؤتمر ولن يلغي حضور ممثلين عن الائتلاف الوطني - خاصة إذا كانت الضغوط الدولية وراء هذا الحضور. ومع أن موقف الرافضين للمشاركة مفهوم من الناحية الوطنية والانتماء السياسي، إلا أن مشاركة وفد يمثل الائتلاف بجميع مكوناته ويعبر عن موقف وطني واحد إنما هو من مصلحة الشعب السوري، لأنه سيكون مفاوضاً قوياً أمام أعضاء المؤتمر ونداً للوفد الممثل للنظام الحاكم؛ بحيث يقف عقبة فى وجه أي حلول وسط لا تلبي مطالب الشعب السوري، أو تكون رخوة يتمكن النظام من الالتفاف حولها. إن وفداً للائتلاف يقف خلفه معارضة متفقة في الرأي والهدف ويقف معه في المؤتمر الدول المناصرة للشعب السوري مثل السعودية وقطر وتركيا أمر ضروري لتشكيل فريق متماسك في الرأي وقوي في التفاوض، وتحسب له كل حساب الدول المشاركة في المؤتمر، ويحول دون نتائج لا تقبلها قوى الثورة والمعارضة، حتى لو انفض سامر المؤتمر دوننتائج. وحيث إن حضور وفد الائتلاف -في حد ذاته- لن يوقف نشاط الثوار، فإن عدم الحضور أو الحضور بوفد لا يمثل أهم أطراف المعارضة السورية الداخلية والخارجية من شأنه أن يدعم موقف النظام الحاكم، لأنه يظهره بمظهر الطرف المتعاون -خاصة بعد استجابته لقرار نزع السلاح الكيماوي- ويضاعف من تأثير الجانب الروسي على نتائج المؤتمر، ويقود إلى إضعاف تعاطف الدول الغربية، وربما رفع يدها عن دعم الثورة، وإلى إحراج الدول المناصرة للشعب السوري؛ وهذا يفتح الباب أمام حل الترضية الذي يتمثل فى إرضاء الجانب الضعيف بالقليل من الفائدة ليخرج الجانب الآخر مزهواً بانتصاره. ومن حلول الترضية مثلا التوصل إلى صيغة تهيئ لذهاب الأسد وبقاء نظام يتعاون مع روسيا وإيران، أو لصيغة نظام يبقى على سوريا كدولة، ولكنه يقسمها إلى أقاليم طائفية؛ وكل ذلك تحت غطاء حكومة انتقالية مهمتها تثبيت هذا الحل بطريقة تأخذ شكلاً ديموقراطياً. وليس من المستبعد أن يلين الجانب الذي تمثله الولايات المتحدة إلى مثل هذه الحلول - خاصة بعد أن أبدى الرئيس الإيراني مرونة في موضوع البرنامج النووي، ومهد بذلك للتفاهم مع الولايات المتحدة، وربما تكون إيران من بين أعضاء المؤتمر. وليس هناك أخطر من هذه الحلول، وذلك لأن أيا منها هو خذلان للشعب السوري وهزيمة منكرة للعرب لما يترتب عليه من عواقب وخيمة. فإما استمرار الحرب وتحولها إلى نموذج أفغاني، وبؤرة لازدهار الحركات الطائفية المتطرفة؛ وإما التمهيد لتقسيم سوريا إلى دويلات؛ وإما تعاظم الهيمنة الإيرانية على كامل شمال الجزيرة العربية وتغذية الصراعات الطائفية والمذهبية. إن من المهم التأكيد على وجود فريق من دول مناصرة للشعب السوري ومؤيدة لثورته وداعمة للائتلاف -منها دول عربية وغير عربية (مثل تركيا)- وعدم الاكتفاء بوفد الجامعة العربية، لأن الجامعة تمثل أيضا دولاً عربية إما قريبة من النظام الحاكم فى سوريا، أو سلبية تجاه الثورة الوطنية ضد النظام لما كان لها من علاقات قوية سابقه مع النظام أو لأن لها تجارب غير حميدة مع أحزاب إسلامية وتخشى تكرار ذلك فى سوريا. ومن هنا قد يميل وفد الجامعه إلى حلول الترضية التى لا تلبي المطالب الوطنية. كما أن حضور الائتلاف ضمن وفد الجامعة يستجيب لرفض بشار الأسد الجلوس على طاولة واحدة للتفاوض مع العارضة التي يصفها بالإرهابيه أو الداعية لتدخل خارجي. فإن كان حضور الائتلاف بوفد قوي متماسك يعل الأسد يرفض المشاركة فهذا لن يغير شيئا ولا يعدو أن يكون مناورة. فسواء حضر أو لم يحضر فإن احتمال اتفاق الفريقين المتحاربين على حل مشترك احتمال بعيد بقدر البعد بين موقفيهما. أما الاحتمال الأقرب فهو اتفاق الدول الكبار على حل يحفظ مصالحها وماء وجهها، ويضع مصلحة الشعب السوري فى ذيل قائمة الأولويات. غير أنه يمكن الحيلولة دون أن يصبح المؤتمر معبرا إلى مثل هذه النتيجة، إذا حضر الائتلاف السوري كعضو قوي فى فريق الدول المناصرة للشعب السوري. ولأجل ذلك من المتوقع أن تقوم الدول المؤيدة للمعارضة السورية الوطنية خلال المدة المتبقية حتى انعقاد المؤتمر بجهود مكثفة لا تنقطع لتوحيد موقف مكونات الائتلاف المنتمية للمعارضة والجيش الحر. وبدون فريق قوي فإن كل ضمانة لا تنفع.

 
مقالات أخرى للكاتب