Saturday 19/10/2013 Issue 14996 السبت 14 ذو الحجة 1434 العدد
19-10-2013

كيف تُغتال الأحلام؟

عندما تحول الإنسان من النظر إلى الكون بوصفه تابعاً إلى الأرض، ليقتنع بأن الأرض هي التابعة إلى الشمس، تغيرت مواقف كثيرة في نماذجه في التفكير، وتبعها تغير كبير في الفرضيات الأساسية للعلوم الرئيسة. وقد حدث ذلك أيضاً عندما اكتشف اينشتاين العلاقات بين الفضاء المكاني والزمن وبين الطاقة والمادة. كما أخذ كل من تلك التحولات وقته للاندماج في النظريات العلمية، ووقتاً أطول ليصبح مقبولاً في البيئة العامة.

فتغيير نماذج التفكير الجماهيري ليس أمراً سهلاً على الإطلاق؛ فهي بمثابة حلقات يرتبط بعضها ببعض، وإصلاحها أو تغييرها يحتاج إلى حركات موجية تتصل بكل تلك الحلقات. لكن إرهاصات وأعمالاً أولية تكون ضرورية، لتليين المفاصل الرابطة بينها، وجعلها قابلة للحركة؛ خاصة في الحالات التي يكون الصدأ قد تمكّن من أجزائها، وأضعف مرونتها وقدرتها على التمفصل الانسيابي.

وهذا المصطلح الأخير «التمفصل الانسيابي» هو ما أصر صاحبي على إدخاله في حوارنا عن الحاجة إلى مرونة المجتمعات المعاصرة في التعامل مع متغيرات العصر. إذ كان يقول وصوته تعلوه حشرجة لم أعهدها فيه: لا يمكن أن تكون هذه التأجيلات المتعاقبة منطقية، ولا قابلة للتطبيق. كل الأمور التي تحتاج إلى حسم وقرارات مصيرية عاجلة، يتم تأجيلها إلى أمد غير محدد.. فكلمة «بعدين» و»يصير خير» أصبحتا من معطيات المعجم الإداري في مطابخ القرارات المهمة في كثير من حياتنا.

قلت له: يا صاحبي كأنك تصف جسد أنثى جميلة.. تمفصل وانسياب؛ ولست بصدد الحديث عن عادات تأصلت لدى قومك، وأصبح الخروج عليها يمثل بدعة في الزمان، وتربية غرب فاسد لا يعي زمننا وأيقوناتنا الخاصة. هوّن عليك! الأمر في أحد مسارين: إما أن يصطدم العالم المتسارع بعضه ببعض؛ فيهلك وننجو نحن بسبب بطئنا وعدم إقدامنا على ما تسابق عليه الناس في شؤون الحياة العصرية، أو أن يتقدموا كثيراً، وينطلقوا إلى كواكب أخرى، فتؤول إلينا مصائر الأرض التي سيتركونها لنا. وبهذا نكون قد غلبناهم عليها دون صراع، أو فناء أحد منا. فهل وجدت نتيجة أحلى من هذين الحسنيين؟

فلتكن على رأي المثل الذي جربعوه، ليكون: «هو محصّل بعضو»! يا صاحبي لن يبقى لك إلا أعصابك.. فقلّل من الممارسات التي تفقدك إياها! لستُ بصدد صدك عن الحماس الذي أراك فيه، ولا دفعك عن الإخلاص فيما تود الوصول إليه؛ لكن عليك أن تقارب بين الوسائل والهدف!

أخي في الضمير.. لا تنازعن أمراً طبيعياً في البشر؛ فهم أقسى من الجبال الصماء. ولن ينالك إلا تعب المحاولة، ولوم المناكفة. فخذ من أيامك أصفى ساعاتها، وحاول جهدك دون مغالبة؛ وإن أعيتك الحيلة، فدع ما لا تستطيع إلى ما تستطيعه! لستُ جباناً يا صديقي؛ لكن التجربة علمتني أن كثيراً من الناس الذين تصارع الأقوياء، لكي تجلب لهم شيئاً من حقوقهم، هم أكثر الناس ظلماً لك.. فلا تزيد على ظلمهم إياك بظلمك لنفسك، واستنشق من البيئة أصفى أهوائها.. ودامت لك محبتي، إن كنت محتاجاً إليها!

فماذا كان حلمك يا صاحبي؟ قال: ممتعضاً: أو تسأل عنه، وتعود إلى ما استسخفته مني قبل قليل؟ لقد اغتلته أيها الخليّ!

يا صاحبي! كأنك تجهل كل ما كنت تحدثني عنه، وتستغرب وجوده لدى قوم يجادلون دائماً في نصاعة الماضي وعراقته وأفضليته. بل إنك كنت تؤكد أن تاريخنا في الاغتيالات؛ الحسي منها والمجرد مشهود. فما لك تنقم عليّ أن خلصتك من همّ لا قِبَل لك به؟ خذ الشاي واذهب إلى الظل، وإن لم يكفك، فسأناولك شيئاً من اليانسون!

الرياض

 
مقالات أخرى للكاتب