Sunday 20/10/2013 Issue 14997 الأحد 15 ذو الحجة 1434 العدد
20-10-2013

وماذا بعد يا مجلس الأمن؟!

عوَّدتنا القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية على أن تتخذ قراراتها بهدوء وروية، وألا تُقحم نفسها في مواقف قد تُحسَب عليها، أو تؤدي بها إلى مَوَاطن الزلل.. بيد أن القرار الذي أعلنته وزارة الخارجية السعودية، بعد سويعات قليلة من إعلان فوز المملكة العربية السعودية بالحصول على عضو (غير دائم) في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين، أفصح عن الكثير مما كان يجيش في الصدور، وأبان ما كان يكتنز الخواطر، التي طال الزمان على كبتها، والتمسك بأدوات الصبر والتحمُّل تجاه ما يعتري السياسة التي يتبعها مجلس الأمن الدولي نحو الكثير من المواقف التي تخص شعوب المنطقة العربية خاصة، والبلاد الإسلامية عامة.

إنَّ البيان الذي أصدرته الخارجية السعودية، التي يقف على وضع خطوطها العريضة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويتولى إدارة دفتها بحكمة وخبرة واقتدار سمو الأمير سعود الفيصل، لهو تعبيرٌ حقيقي وصادق عما كان في ذهن كل واحد منا؛ لكي يصل صوتنا ونُسمعه للسادة مجلس الأمن الدولي بصوت واضح وجلي، لا لبس فيه ولا غموض، بأننا في المملكة العربية السعودية قد بدأنا انتهاج سياسة جديدة للتعامل مع مختلف القضايا الشائكة التي تحيط بنا من كل اتجاه، معتمدين في ذلك على ثوابتنا الدينية السمحة، وقيمنا العربية الأصيلة، ومقدراتنا الوطنية.. ونقول: لقد أثبتم لنا عجزكم، واتضح للجميع فشلكم تجاه قضايا أمتنا، أقدمها يبلغ من العمر أكثر من ستة عقود ونصف العقد، قضية فلسطين، وأحدثها قضية نضال الشعب السوري الذي يُباد رجاله ونساؤه وأطفاله يومياً بواسطة الحرق بالغازات السامة والقصف بالطائرات المقاتلة، هذا عدا مواقفكم المائعة بشأن أسلحة الدمار الشامل، وضرورة نزع فتيلها وإخراجها من مستودعاتها في كل من إسرائيل وإيران.

لقد سجَّلت القيادة السعودية موقفاً عظيماً ومفاجئاً، فقالت - وبـ(الفم المليان) - إننا نعتذر عن عدم قبول هذه العضوية، وهو ما يؤكد أن قيادتنا الحكيمة، ممثلة في وزارة الخارجية، ستمضي كما هو دأبها في الانتصار لحقوق الشعوب المظلومة والمقهورة، ولن تسكت أبداً عن رفع الظلم عنها؛ فالتاريخ قد رصد ما بذلته هذه الدولة من جهود يصعب حتى مجرد الإشارة إليها في هذا المقال، منذ مؤسسها الراحل العظيم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ومن بعده أبناؤه ملوك المملكة.

كما لن تقبل المملكة العربية السعودية بأي حال من الأحوال بمثل هذه (الشهادة الوهمية الزائفة والمؤقتة) من مجلس الأمن لتكون عضواً غير دائم، في مقابل أن تغض النظر عن أي موقف قد لا يتناسب مع منهجها الثابت والمعلن، أو أن تستمال نحو قرارات هي غير مقتنعة بها في قادم الأيام.

لقد تضمن البيان الشجاع رسائل واضحة وإشارات صريحة، لا تخفى على صناع القرار، بأن على مجلس الأمن أن يتحمل كامل مسؤولياته، وأن يمارس أداء مهامه بميزان العدل والإنصاف، وأن يبتعد عن أسلوب المعايير المزدوجة، وينبذ سياسة الكيل بمكيالين؛ فالشعوب تُنتهك حرماتها، وتُغتصب أراضيها، وتعيش القتل والقلق والتجويع، وأنتم في صدارة المنصة تتفرجون على ما يحدث، وكأنها برد وسلام على قلوبكم! وعجزتم عن اتخاذ ما هو في أيديكم من صلاحيات حاسمة، منحتها لكم شعوب العالم قاطبة عبر ميثاق هيئة الأمم المتحدة.

شكراً لقيادتنا الحكيمة الجريئة على هذا الموقف الذي سيسجله التاريخ السياسي الحديث لها على أروقة هيئة الأمم المتحدة بمداد من الذهب، وأمام جميع شعوب العالم.

وسيعلو - بحول الله وقوته، ومهما طال الزمان - صوت الحق قريباً، وكفاك يا مجلس الأمن شهادات الترضية الوهمية؛ فبضاعتك ها نحن نردها إليك مغلفة برايتنا الخضراء التي تنتصر على الدوام لحق الشعوب في العيش بكرامة وأمن وسلام.

- نائب رئيس تحرير «الجزيرة»

 
مقالات أخرى للكاتب