Tuesday 22/10/2013 Issue 14999 الثلاثاء 17 ذو الحجة 1434 العدد
22-10-2013

أنا الذي!!!

ربما لا يفرّق البعض بين (التميلح) وتسويق الذات، والخلط بينهما تلحظه بوضوح في قنوات التواصل الاجتماعي، ولا مجال لسرد الأمثلة هنا، ولكن يكفي أن تمر على (تويتر) لترى العجب العجاب، مشاهد (تسويقية ضحلة) تصور الأشخاص على غير ما يتوقعون، ما ينبئ عن فساد الذائقة والفكرة والفهم.

يعطيك هذا المشهد الكاريكاتوري وعيا مغلوطا عن قيمة الفخر، فإذا بالبعض في تويتر يصرخ بأعلى بصوته (أنا الذي ...) ولا يكاد يبين، فلا تعلم ما بعد الذي سوى شكل منفوخ يتوسل المديح، أو كلمات متقاطعة تتطفل على قضايا الرأي العام.

(التميلح) الغبي عندما تفككه، ترى خلفه ألف كذبة بيضاء وحمراء وسوداء، وتراه يخفي (نفسية) مركبة تضع (الطبيب المداوي) في عجز فكري وذهني وعلمي، وتجعل من جمعيات الطب النفسي يراجعون نظرياتهم العلمية.

يسمع البعض منهم عن (تسويق الذات) ولم يكلف نفسه قراءة كتاب أو الاستعانة بصديق، أو الدخول في دورة تدريبية، إنه يستقي (التسويق) من بلادة الثقافة الاجتماعية في هذا المجال، التي ترى الفخر هو أهم طريقة لتسويق الذات، وهي بلادة لم تطورها العولمة، ولم تهذبها أخلاق الصادقين.

عندما تضع ألبومات فارغة، أو مادة مرئية سطحية أو تكتب كلاما للاستهلاك الإعلامي، أو ترصد في (البايو) سيرة ذاتية لها في كل طرف شأن، فهذا منتهى (السذاجة) في التسويق. لأن ملكات الإنسان لا يمكن أن تتعامل إلا مع ثلاث مجالات كحد أقصى، وفيها يمكن أن (ينتج) أما غير ذلك فمحض هراء.

الإنسان الخالد الذي بقي على مر التاريخ إما أن يكون له (إنتاج) عظيم، أو (موقف) تاريخي مؤثر وغير ذلك لا يمكن أن تكون (أنا الذي) لا يشق له غبار، دعك من (التميلح) وتفرغ للعمل، وتخصص في مجالات تظهر قواك الكامنة، واتخذ مواقف صادقة، وخذ بعضا من الوقت، واحذف ما وصفت به نفسك (قبل اسمك) ودع الناس تقول عنك: الفنان، أو المدرب، أو المفكر ...، أما إذا كنت تقصد به التعريف عن نفسك، فهذا يكتب بعد أو تحت اسمك

بدون (ال التعريف)، لأن ال التعريف تعني أن الكل يشهد لك بذلك، (عَلَمٌ في رأسه نار) حسب وصف الخنساء لأخيها صخر.

وأخيرا، أنت لا يمكن أن تقنع إلا بما هو حقيقة، مهما كان عدد (الخلاخل والدناديش) التي تصور معها.

nlp1975@gmail.com

 
مقالات أخرى للكاتب