Friday 25/10/2013 Issue 15002 الجمعة 20 ذو الحجة 1434 العدد
25-10-2013

عمل الخير .. والمقابل المادي؟!

إذا أردنا تعريف عمل الخير، فإن أيسر وأسهل تعريف أن تقول: إنه العمل المشروع الذي يبتغي به فاعله وجه الله تعالى، وهذا تعريف يفهمه كل المسلمين، على مختلف مستوياتهم العلمية والثقافية، بعيداً عن التعريفات المنطقية وشروطها، ولو سألت عجوزاً أمية عن تعريف فعل الخير، لقالت لك: هو الذي يُراد به وجه الله تعالى، لا يبتغي به صاحبه جزاءً ولا شكوراً.

والأصل في هذا، والقدوة المثلى هم رسل الله - عليهم صلاة الله وسلامه - وفي مقدمتهم خاتم الأنبياء والرسل، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فكل واحد منهم قال لقومه: إنه لا يريد من دعوتهم، وإرشادهم أجراً، فهو يريد الأجر من الله فقط، فهذا نوح - عليه السلام - يقول لقومه: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ} (29) سورة هود، ويقول هود - عليه السلام -: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} (51) سورة هود، وأمر الله تعالى - نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (47) سورة سبأ.

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أروع المثل، فكان ينفق بسخاء من أجل الصلح، ومن أجل إصلاح المجتمع، وإصلاح ذات البين، وتأليف القلوب، بل إن الإسلام أجاز المسألة للذي يتحمل الدين، أو الدية، أو يصلح بماله بين طائفتين، ويدفع ذلك من ماله حتى لا يبقى عنده شيء، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة..» إلخ الحديث.

وهنا أنقل كلاماً رائعاً للإمام القرطبي في شرحه للحديث السابق يقول: (والحمالة: ما لزم الإنسان تحمله من غرم أو دية).

وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرماً في دية، أو غيرها، قام أحدهم فتبرع، بالتزام ذلك، والقيام به، حتى ترتفع تلك الثائرة.. ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم. وكان العرب لكرمهم، إذا علمت بأن أحداً تحمّل حمالة بادروا إلى معونته، وأعطوه ما يتمم به وجه مكرمته، لتبرأ ذمته.. ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة، لم يعد ذلك نقصاً، بل شرفاً وفخراً.. ولذلك سأل هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمالته التي تحملها على عادتهم فأجابه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة، ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بمال الصدقة؛ لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقة.. انتهى كلام القرطبي.

وهو كلام غني عن أي تعليق، وفيه بيان واضح لما كان يفعل السادات الكرام من العرب من الإنفاق من حر مالهم في سبيل الإصلاح، ودفع الديات، والغرامات، وكيف كانت العرب تهب لمساعدة مثل هؤلاء السادات، وهو الخلق الرفيع الذي جاء الإسلام بإقراره، بل وتعزيزه والحث عليه.. فأين هذا الموقف المشرف العربي الإسلامي في عصرنا هذا الذي غلبت المادة في كل شيء؟ فأين أغنياؤنا عن هذا الكرم العربي؟ وأين هم من حل كثير من المشكلات المادية التي تعترض كثيراً من الناس، كالذين في السجون بسبب ديونهم، وكالمعرّضين للقصاص لعدم ملكيتهم قيمة الدية التي أصبحت تجارة عالية المردود، يطالب فيها أولياء القتيل بملايين الريالات، وإلا قتل القاتل. مع العلم أن بإمكان أغنيائنا أن يقضوا على هذه المشكلات المادية، دون أن ينقص من ثرواتهم شيئاً، لما يملكونه من مليارات الريالات.

والأدهى من ذلك والأمرّ، أن هناك من يستفيد هو مادياً من خلال الأعمال الخيرية، فهناك من يقوم بأعمال شرعية بمقابل مادي، وهناك جهات تحمل شعار إصلاح المجتمع والبيوت، وحل المشكلات الزوجية، التقليل من مشكلة الطلاق، وتشتت الأسرة، تستغل ذلك للكسب المادي، ومن آخر الصيحات في ذلك، الدعوة إلى المشاركة في جوال معين بقدر من المال معلوم، وإذا اتصلت بهم لحل مشكلتك أو الاستشارة في موضوع معين، كان سعر المكالمة مضاعفاً أضعافاً كثيرة.

رحمك الله أيها الإمام القرطبي: «وكان العرب - لكرمهم - إذا علمت بأن أحداً تحمّل حمالة بادروا إلى معونته وأعطوه ما يتم به وجه مكرمته».

alomari1420@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب