Saturday 26/10/2013 Issue 15003 السبت 21 ذو الحجة 1434 العدد
26-10-2013

مجلس الشورى بين «الضحك والنسيان»

كل شيء عندنا عكس ما هو في دول العالم، بدءاً من حق المرور واستخدام الشوارع والأرصفة، وحتى المواطنة؛ ففي حين الأفضلية في الخارج للمشاة في العبور، ثم الدراجات، ثم المركبات، يأتي الأمر معكوساً عندنا، فالمشاة قد يتعرضون إلى الدهس من قِبل «عناترة» المركبات، دون حفظ الحقوق والالتزامات بين هؤلاء.

أيضاً تُولي دول العالم اهتمامها لفئتين في المجتمع (الأطفال وكبار السن)، ونحن نعتبرهما من سقط المتاع؛ فالطفل عليه أن يسكت، والمسن عليه أن يموت، بعدما يسكت أيضاً. هؤلاء الذين ينظر لهم العالم بأنهم فاقدو قوة، ومال، وصحة؛ فيمنحهم المزايا كافة، ويجعلهم لا يدفعون مقابل صحتهم، وترفيههم، وسعادتهم، ويتعامل معهم بمسمى مواطن «سينيور»، بينما مجلس الشورى لدينا استكثر النظر في الراتب التقاعدي لبعض هؤلاء، خاصة أن هناك من بينهم ألوية من قدامى المتقاعدين العسكريين، ولا تتجاوز رواتبهم التقاعدية مبلغ 2800 ريال فقط. وحتى لو كان مجلس الشورى وافق على وضع الحد الأدنى للراتب التقاعدي؛ كي لا يقل عن أربعة آلاف، إلا أن معدلات التضخم المتصاعدة سنوياً، وارتفاع مستوى المعيشة في البلاد، تجعلنا ندرك أن مثل هذه المبالغ لا تحفظ للمواطن العيش الكريم.

ولعل ما طرحه عضو المجلس الدكتور خالد العقيل - حتى وإن وصفه المجلس بالطرح العاطفي والمؤثر، وجلب معه الضحكات تحت قبة المجلس - موقفٌ مسؤول، وطرحٌ منطقي جداً، خاصة أن معالجة وضع هؤلاء الذين يتقاضون مبالغ زهيدة، كمبالغ الضمان الاجتماعي، لن تشكل شيئاً من إيرادات مصلحة التقاعد، التي - حسب تقريرها الأخير - لديها من الواردات ما يقارب 48 ملياراً، مقابل 44 ملياراً مصروفات، أي أن ثمة أربعة مليارات هي الفائض في ميزانية المصلحة، وتحسين أوضاع هؤلاء المتقاعدين، أو ورثتهم، لن يكلف الميزانية الشيء الكثير.

أظن أنه يجب على أي عضو مجلس شورى الشعور بل اليقين الكامل بأنه يجلس تحت هذه القبة، وهدفه الأول هو مصلحة المواطن، حتى وإن لم ينتخبه؛ فولي الأمر وضع هؤلاء في المجلس؛ كي يكونوا صوت المواطن ونبضه، وولي الأمر خاطب هؤلاء بأن تعيينهم جاء تكليفاً لا تشريفاً.

صحيح أنه يمكن رفض مثل هذه التوصيات لو كانت الدولة تواجه أزمات مالية، وتعالِج نقص الميزانية العامة بالقروض والسندات، لكن طالما أن الوضع المالي للدولة في مستوى ممتاز، والمستقبل يحمل المزيد من الإيرادات والثروات الطبيعية، فمن غير المقبول أن يتم رفض مثل هذه القضايا الإنسانية المهمة، والتعامل معها كمقترح عاطفي، وإطلاق صفة العرض المؤثر على ما قدمه العضو العقيل، والضحك عليه أو منه!

ولعل اللافت هو شكوى العضو لوسائل الإعلام، بأن لجنة الإدارة والموارد البشرية بالمجلس لم تدرس المقترح بشكل كاف، رغم أهميته، خاصة أن رفضه لا يحمِّل المجلس أي مسؤولية، بل يذهب به في النسيان، مثله مثل مقترحات بدل السكن، وزيادة عدد درجات سلم رواتب بند الأجور والمستخدمين والموظفين، وغيرها من المقترحات التي تهدف إلى مصلحة الموظف، وتحسين أوضاعه المعيشية.

هل قلت «النسيان»؟ هل قلت «الضحك»؟ يبدو أن الروائي التشيكي ميلان كونديرا كان على وعي وفهم وإدراك بالعلاقة بين «الضحك والنسيان» حينما وضع كتاباً تحت هذا العنوان!

مقالات أخرى للكاتب