Sunday 27/10/2013 Issue 15004 الأحد 22 ذو الحجة 1434 العدد
27-10-2013

مرحلة ما بعد الحلم

تعتمد فلسفة النظـام التعليمي الحالي على التعامل مع فئة الطلاب الــذين يحتلــون المساحة الوسطى من المنحنى الاعتدالي المعياري بقسمية الموجب والسالب، وهذه الفئة من الطلاب يشكلون الغالبية العظمى من الطلاب في كل فصل دراسي الذي يتراوح عدد طلابه عادة من 25 - 30 طالباً، وهؤلاء الطلاب يتمتعون بقدرات عقلية عادية.

ومقتضيات العدالة توجب التعامل مع كل طالب داخل الفصل، بغض النظر عن قدراته العقلية، فالطالب الذي يتمتع بقدرات عقلية فائقة يجب أن يحظى بالرعاية التعليمية، وأن يجد من المعلم المساعدة اللازمة التي تمكنه من إشباع رغباته في التحصيل الدراسي الذي يتوافق مع قدراته العقلية المتقدمة، وكذلك الطالب الذي يتسم بقدرات عقلية لا تؤهله مواكبة زملائه، يجب أن يحظى بالرعاية التعليمية، وأن يجد من المعلم المساعدة اللازمة التي تمكنه من فهم الدروس واستيعاب المادة العلمية وبما يتوافق مع قدراته العقلية الأقل مقارنة بزملائه.

ولتحقيق هذه العدالة في المواقف التعليمية اقترح المربي الفاضل سعد الحصين نظاماً تعليمياً يحقق العدالة بين الطلاب وفق قدراتهم العقلية، أطلق على مرحلته الأولى “تعليم ما قبل الحلم” ليشمل التعليم الابتدائي والمتوسط، وعلى مرحلته الثانية “تعليم ما بعد الحلم” ليشمل التعليم الثانوي، طبقت فكرة نظام ما قبل الحلم في مدرسة الفهد بمدينة الرياض، وحسب علمي أنها هي المدرسة الوحيدة التي تطبق النظام منذ أن طرح فكرة، ومازالت الفكرة تراوح مكانها منسية في الظل لا يعرفها إلا مدير المدرسة والعاملين معه ويقال: إنه تم وأدها.

وطبقت فكرة نظام ما بعد الحلم في مدرسة اليرموك الثانوية بمدينة الرياض، وحسب العادة في التجريب، (إما سراجين أو ظلمى)، تم التوسع في النظام بصورة مستعجلة، ولم تأخذ وزارة التربية والتعليم في الحسبان معالجة المشكلات التعليمية والإدارية التي بدت ظاهرة للعيان أثناء فترة التجريب، مما تسبب في تذمر المجتمع من الظواهر السلبية المتواترة في جل المدارس التي طبقت النظام، وكان القرار المستعجل كالعادة، فبدلاً عن معالجة المشكلات التعليمية التي لن يخلو منها حتماً أي نظام أو إجراء، تم وأد النظام كاملاً، حيث ألغي نظام المقررات على الرغم من الإيجابيات الكثيرة فيه مقارنة بما بدا من سلبيات كان بالإمكان معالجتها في حينه.

من المعلوم في الأدبيات التربوية أن أساليب التربية وأدواتها دائماً متطورة متغيرة متجددة، وأنها لا تتثاءب أبداً، وأنها مرنة تمتلك القدرة على التعامل مع كل الظروف، ولديها مقومات التكيف مع كل المعطيات، وأن ثباتها على نمط واحد يعد دليلاً على كسل القائمين عليها، أو جمودهم وعدم معرفتهم بالمستجدات ومواكبة المتغيرات، وجهلهم بالواقع الذي لا يمكن أن تخطئ العين رؤية متغيراته وتعقد متطلباته.

من أعظم المعوقات التي أحبطت كل محاولات التطوير رغم قلة عددها، ومحدودية مجالاتها، إنشغال القيادة التربوية في وزارة التربية والتعليم عبر تاريخها الطويل بأعمال التسيير اليومي للعملية التعليمية والتربوية، رغم أن جل هذه الأعمال يفترض أن تكون من مهمات مديري المدارس، وإلى حد ما مديري التربية والتعليم، البعض يرجع هذا الانشغال إلى شهوة رؤية المراجعين وهم يترددون على المسؤولين في الوزارة، وأنا أرجعها إلى أن جل المسؤولين في الوزارة أخذوا معهم الأعمال التي كانوا يمارسونها عندما كانوا في الميدان التعليمي، سواء في المدارس أو في أدارات التربية والتعليم، فهم ألفوا هذه الأعمال، وتبرمجت عقول البعض وظلت جامدة على خبراتها الموروثة، في حين أن المهمات في جهاز الوزارة تختلف تماماً عما كان مألوفاً وممارساً في الميدان التعليمي، والبعض الآخر جاء إلى الوزارة وهو خال الوفاض لا يعرف عن الميدان التعليمي أي شيء، وبالتالي خضع إلى ما يملى عليه من ممارسات وترك المهمة الأولى وهي التخطيط والتطوير ومتابعة مدخلات العملية التعليمية ومستجداتها، وتقويم المخرجات وتحسينها وتطويرها إلى الأفضل.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب