Tuesday 29/10/2013 Issue 15006 الثلاثاء 24 ذو الحجة 1434 العدد
29-10-2013

المسلمون والمستشفى

في موضوعٍ سابق بعنوان «الحق ما شهدت به الأعداء» رأينا بعض الإنصاف للمسلمين في كتاب للأمريكي مارك غراهام الذي أسماه «هكذا صنع الإسلام العالم الحديث»، وفيه يُثني على دور المسلمين في صنع العالم المعاصر وما قدّمناه من إنجازات واكتشافات علمية في الماضي ما زال تأثيرها قائماً إلى اليوم، ويُنكِر الكاتب على الغربيين من بني قومه تهميشهم وتجاهلهم المستمر للاكتشافات والعلوم التي أتى بها المسلمون، ويقول إنك إذا أردت قصة خيالية فلا عليك إلا أن تقرأ أحد مناهج الدراسات الاجتماعية في أي دولة غربية، فلو تصفحتَ كتاباً دراسياً أوروبياً أو أمريكياً للمرحلة الثانوية في مجال الحضارة الغربية أو الثقافات العالمية فلن تجد أي ذِكر للمسلمين غير محمد صلى الله عليه وسلم، وربما تمر على صلاح الدين وسليمان القانوني اللذين تُقِرُّ هذه الكتب على مضض أنهما هزما الغرب لكن غير هذا: لا شيء. لا ذكر للعلماء أو الكتّاب أو الفنانين أو الفلاسفة المسلمين، تجاهُل تام للحضارة الإسلامية.

وهنا المفارقة: هؤلاء المؤرّخون والكتّاب المتحيزون لا شك أنهم استخدموا المستشفى سواءً لشيء بالغ أو حتى لأمراض ومشاكل أصغر مثل الأنفلونزا أو كَسْر أو حتى لمّا وُلِدوا، وأثناء دخول الكاتب الغربي المتحيّز ضد الإسلام للمستشفى وتلقّيه العلاج وخروجه بصحةٍ أفضل لم يخطر على باله أن المستشفى الحديث اختراع إسلامي!

من المعروف أن النصرانية حاربت الكثير من العلماء عندما تَعارَض العِلم مع كتابهم المقدّس، وليس هذا فقط بل إن العُلوم نفسها حورِبَت وليس العلماء فقط حتى لو كانت علوماً نافعة، فقد منعت الكنيسة الجراحة كلها في القرن السابع الميلادي عندما شعرت أن هذا لا يتوافق مع النصوص النصرانية، وأغلق الإمبراطور البيزنطي زينو مدرسة طب أبقراط في الرها عام 489م التي تقع اليوم في تركيا. الإمبراطور جستنيان أغلق المدرسة الأخرى عام 529م وهي أكاديمية أثينا التي أنشأها الفيلسوف الشهير أفلاطون لأن الإمبراطور رأى أنها تتعارض مع تعاليم الكنيسة. في الغرب اليوم يشيع الاعتقاد أن هذا الطب اليوناني «ضاع» لكن الحقيقة أنه دُفِن وحورب من قِبَل التعصب النصراني، وأثناءها استفاد المسلمون من علم الطب اليوناني هذا بعد ترجمة كتب جالينوس بأمر الدولة العباسية، وليس هذا فقط بل إن المسلمين -كما رأينا- أتوا بفكرة المستشفى.

إن المستشفى لدى النصارى كان عبارة عن غرفةٍ في صومعةِ راهب يذهب لها صاحب المرض المستعصي ليعاني الألم بينما يدعو له الراهب بالشفاء، وغنيٌّ عن القول أن هذا لم يكن يجدي نفعاً، فكانت تلك الغرف مكاناً للموت لا للعلاج ولا للشفاء. أما المستشفى في الدولة الإسلامية فقد ظَهَر في عصر الخليفة هارون الرشيد رَحِمه الله وكان يسمى المارستان وأُنشِئ في بغداد عام 805م، وكان مستشفىً حسب التعريف الصحيح للكلمة أي مكانٌ يذهب له الشخص ليتلقى العلاج على يد مختص، ويذهب المريض هناك ليحصل على أفضل رعاية طبية عكس المريض في أوروبا الذي يذهب «للمستشفى» لتُتلى عليه أدعية الموت ويتلو عليهم وصيته.

هذا جزء من تاريخنا، فليتنا نُقبِل على القراءة والعلم لنَقود العالم من جديد ونُعيد أمجادنا السالفة.

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب