Tuesday 29/10/2013 Issue 15006 الثلاثاء 24 ذو الحجة 1434 العدد
29-10-2013

العنف بين الوعي والنظام

بعد أن أقرت المملكة نظام الحماية من الإيذاء، والذي يبدأ تطبيقه مع الأسبوع المقبل، وذلك بعد دراسة ومشاركة عدد من الجهات، حيث شارك في وضع نصوصه برنامج الأمان الأسري وجمعية الملك خالد الخيرية. كل هذا جيد، بل خطوة جيدة لتوفير أنظمة تحمي الإنسان، أياً كان، من الإيذاء، وتوفر له المأوى والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية، والأهم من ذلك معاقبة الطرف المتسبب بالإيذاء.

كل هذا خطوة في طريق طويل، خاصة أن هذا النظام جاء بعد إلحاح الجهات التي تتعامل يومياً مع الحالات المعنفة، صاحبها حملات إعلامية، صحفية ومرئية، تدافع عن حقوق من تعرض للإيذاء والعنف الأسري، من الأطفال والنساء. لكن الأمر الأكثر حساسية هو النقص المجتمعي الحاد في الوعي بمثل هذه الأوضاع من الإيذاء والإهمال التي يتعرض لها الطفل والمرأة على حد سواء، وما يزيد الأمور قلقاً، حسب دراسة أجراها برنامج الأمان الأسري (وهو برنامج تم تأسيسه بمرسوم ملكي عام 2005 كبرنامج وطني يهدف إلى توفير بيئة آمنة ومتعاونة لمقاومة العنف الأسري) أن أكثر الفئات التي يتدنى لديها مستوى الوعي بهذا النوع من العنف هم منسوبو المحاكم الشرعية من قضاة وغيرهم، بنسبة 23 بالمائة، يليهم منسوبو مدارس البنين، ثم رجال الأمن بنسب 30 بالمائة، و31 بالمائة على التوالي. وأعلى الفئات وعياً بهذا النوع من العنف الأسري هم منسوبو المستشفيات والمراكز الطبية بنسبة 48 بالمائة.

نحن هنا لا نتحدث عن شرائح شباب أو مراهقين، ولا عن شرائح عمال أو عامة شعب، بل عن منسوبي المحاكم الشرعية الذين بيدهم توقيع أشد العقوبات فيمن ارتكب العنف ضد طفل أو امرأة، أو تجاهل الأمر وتهوينه، وطرح محاولات الإصلاح بين الأطراف وما شابه.

هذه الدراسة التي أجراها برنامج الأمان الأسري، ونشرتها صحيفة الشرق، تعني أنها ليست دراسة قدمتها جهات خارجية كي نشكك فيها مثلاً، فإذا كان أهم قطاعين يمكن أن يقوما بدورهما الحازم تجاه قضايا العنف الأسري، وهما المحاكم والشرطة، يمتلكان أدنى مستويات الوعي تجاه هذه القضية الشائكة، فكيف بكافة قطاعات المجتمع وشرائحه؟.

أظن أن هذا البرنامج، أعني برنامج الأمان الأسري، له دور كبير في توعية المجتمع بمختلف شرائحه المهنية، من قضاة وعسكر ومعلمين وموظفين وغيرهم، وذلك بكافة الوسائل، وتقديم كل الأضرار المجتمعية المترتبة على العنف الأسري، والأضرار النفسية الواقعة على ضحايا العنف، وكيف يمكن أن يتحولوا إلى معنفين، يمارسون العنف ضد غيرهم، بل إن بعضهم يدخلون في قائمة مجرمين محتملين، أو مؤجلين.

لابد أن يستمد برنامج الأمان الأسري قوته من القيادة العليا، بفرض برنامج توعوي شامل، يبدأ من مدارس التعليم العام والجامعي، وينتهي في مختلف بيئات العمل الحكومي المدني والعسكري والقطاع الخاص، ويتم تعميمه في حملات إعلانية صحفية وفي الوسائل السمعية والمرئية.

لا شك أن تأسيس البرنامج عام 2005 كان مهماً، وصياغة النظام أيضاً مهمة ومؤثرة، وتطبيقه بدءاً من الأسبوع المقبل مرحلة مهمة وعملية، لكن رفع مستوى الوعي المجتمعي أيضاً بالعنف الأسري، وكيفية الإبلاغ عنه، والعقوبات المترتبة عليه، هي مرحلة لا تقل أهمية عن جميع الخطوات السابقة.

مقالات أخرى للكاتب