Monday 04/11/2013 Issue 15012 الأثنين 01 محرم 1435 العدد
04-11-2013

الخطوة الأولى في مكافحة التصنيف التحريضي

في نهاية الأسبوع الماضي تحاور سبعون مواطناًً ومواطنةً سعوديون، بدعوة من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، في لقاء صريح محدود بمتطلبات اللياقة الأدبية فقط، لتبادل الآراء حول ظاهرة التصنيف الفكري وسلبياته. كان ذلك هو اللقاء السابع في حلقات الخطاب الثقافي السعودي الذي ينظمه المركز، وكان حسب رأيي المتواضع أهم اللقاءات والحوارات التي تبناها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حتى الآن.

أما لماذا، فالسبب يستنتج من العنوان وهو: التصنيفات الفكرية وأثرها على الخطاب الثقافي السعودي. هذه واحدة، والثانية أن المنطقة التي نعيش في قلبها تغلي حالياً، والثالثة هي أن الفتن من كل نوع تجد دائما من يحاول إضرامها وتغذيتها من خلال عناصر داخلية ودخيلة وخارجية، وهذه كلها متوافرة عندنا وعند غيرنا، وإن بكميات متفاوتة.

أغلب لقاءات الحوار والمثقفين السابقة تحت مظلة مركز الحوار الوطني كانت تدور داخل العموميات ومحاولات المجتمعين تذويب الاختلافات في مياه المجاملات الإنشائية في الداخل والابتسامات الإعلامية في الخارج، ولكن بدون نتائج ملموسة بعد ذلك.

الاجتماع الأخير كان مختلفاً، فنسبة ونوعية السيدات المشاركات فيه كان معبراً عن أهمية المرحلة للتعامل الأكثر عدالةًً وسلامة مع حقوق المرأة وهي العنصر الذي لحقه من التهميش وأذى التصنيف المتعصب المتفلت أكثر من الجنس الآخر، وكان تمثيل الرأي والرأي الآخر في الحوار متوازنا في الكمية والنوعية وجو الحوار منفتحا وصريحاً، ولم يكن للهيئة المنظمة أو أي سلطة أخرى محاولات تدخل أو توجيه في مجريات النقاش. في هذا اللقاء تخلت السلطات الرقابية والإعلامية عن مهماتها التقليدية المزعجة وتركتها لعقول وضمائر المتحاضرين، متوسمة منذ البداية أن ما لديهم من التأصيل الديني والوطني والعمق الفكري والاجتماعي ما يجعلهم في حماية بعضهم البعض.

منذ بداية علمي شخصيا باللقاء وبموضوع الحوار استنتجت أن السلطات الثلاث في هذه البلاد مجتمعة قد أدركت خطورة التحريض والدس والتصنيف المغرض من كل نوع ولون على هذا الوطن وأمنه السكاني والجغرافي والمعيشي. بصريح العبارة، استنتجت من فكرة اللقاء أن الدولة بسلطاتها الثلاث بدأت تستشعر القلق الذي يحس به عقلاء المواطنين وحكماؤهم عند استشعار تهديدات وأخطار مقبلة على وطنهم، قبل أن تصبح حقيقة وواقعا قد تأخر التعامل معها.

مجمل ما خرج به اللقاء باختصار يتلخص في التالي:

1- على الدولة أن تسارع بجدية أكبر في برامج الإصلاح واجتثاث الفساد الواسع الانتشار، لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة المادية والمعنوية على كامل رقعة البلاد ودون تمييز طبقي أو مذهبي أو جغرافي.

2- على سلطات الدولة الأمنية أن تؤدي دورها الرقابي والوقائي على أوكار التحريض والتصنيف المتلبسة بدعاوى الدين أو دعاوى الديموقراطية، وباحترافية وفعالية أكثر إقناعاً.

3- على رموز الوسطيين الوطنيين من المهتمين والمتخصصين في العلوم والثقافة الشرعية أن يتوقفوا عن المجاملة في أوساطهم للعقلية النرجسية والعصابية والمصابة بانتفاخ الذات والمتعاملة مع الخارج، وعن مجاملة بعض المفاهيم الشعبية للثقافة الدينية عند العوام عندما تخلط الأعراف والتقاليد بالثوابت الشرعية.

4- على رموز الوسطيين الوطنيين المتخصصين والمهتمين بالعلوم الفكرية والإبداعية الدنيوية أن يحذروا من المندسين في أوساطهم لضخ الشطط والانحراف الأخلاقي والعقائدي والانفلاتي، وعليهم كشفهم وتعريتهم قبل أن يفهم السكوت على أنه رضى، أو أنه يدخل في مجال حريات الفكر وحقوق الإنسان.

عندما تؤدي السلطات الحاكمة أدوارها التنموية بكفاءة، والتيار الديني الوسطي واجباته بعدالة ووطنية وتلتزم التيارات الفكرية والإبداعية بحدود العقل والأخلاق، عندئذ لن يجد الانتهازيون والإرهابيون والمخربون أوكارا تؤويهم ويتكاثرون بداخلها.

آن الأوان لأن يصبح الهدف الوطني الأسمى هو التكامل وليس التفاضل بين مكونات الوطن.

للحديث بشيء من التفصيل عن اللقاء بقية في الحلقة القادمة.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب