Sunday 10/11/2013 Issue 15018 الأحد 06 محرم 1435 العدد
10-11-2013

إذا قلنا: لماذا عدد البنوك قليل؟.. قالوا: !

هناك شبه إجماع من المعنيين بالشؤون الاقتصادية، والبنكية على وجه الخصوص، أنّ سوق المملكة (تُعاني) من قلة عدد البنوك إذا قارنّاها بحجم الأموال المتداولة فيها. هذه المعاناة انعكست بشكل واضح على حقيقة مُؤدّاها أنّ البنوك الموجودة لا تُلبي طلبات التمويل التي تحتاجها السوق؛ فالبنوك (تنتقي) من طلبات التمويل المقدمة لها ما تجده أقلّ مخاطرة ومُجزياً في الوقت نفسه، وفي المقابل (تُقصي) أي تمويل قد تكتنفه مخاطرة في قدرة المتموّل على الوفاء بالقروض، حتى وإن كانت نسبة هذه المخاطرة ضئيلة؛ فطالما أنّ الطلب في تزايد مُطّرِد على جميع القروض بأنواعها فلماذا يُخاطرون؟.. وهذا ما أنشأ سوقاً تمويلية (موازية)، يُسمونها (سوق التورق)، وكانت تسمّى سابقاً (الوعدة)؛ مهمتها تلبية القروض عالية المخاطرة نسبياً، أو تلك القروض الصغيرة، أو متناهية الصغر، التي لا تُعيرها بنوكنا اهتماماً؛ ويتقاضى أصحاب هذه السوق لقاء (تمويلهم)، وانتهازيتهم لغياب البنوك عن القيام بجزء من مسؤولياتها، فوائد ضخمة، قد تصل إلى عشرة أضعاف ما تطلبه البنوك التجارية من فوائد، والمواطن وبالذات محدود الدخل، هو الضحية.

الآن تتجه مؤسسة النقد إلى تنظيم السوق (الموازية) هذه، من خلال نظام أو تنظيم يُقال إنه سيصدر قريباً، وأعطت المنشآت العاملة في (التورق) مهلة ستنتهي خلال أقل من سنتين؛ وتهدف مؤسسة النقد من نظام مراقبة مُنشآت التورق أن (تضبط) هذه السوق، وتمنع استغلال المواطنين الذين لا تُعيرهم بنوكنا (العتيدة) أي اهتمام.. ونحن نعرف، كما أنّ مؤسسة النقد لن يفوتها أن تعرف، أنّ تنظيم هذه السوق وضبطها شبه مستحيل؛ فلن تُجدِ أية ضوابط مهما كانت مُحكمة، وستجد هذه المؤسسات والشركات (التمويلية) في نهاية المطاف وسائل وطرقاً مختلفة للتهرب من الضوابط؛ وهذا ما يُؤكده كثيرون من أصحاب الخبرة في الأعمال البنكية والتمويلية.

والسؤال : لماذا لا يتم علاج المشكلة من أساسها، وتقوم مؤسسة النقد بالتصريح لبنوك سعودية جديدة لملء هذا الفراغ؟.. إذا طرحت هذا السؤال المشروع تأتيك الحجّة القديمة الجديدة : لأنّ التوسع في منح هذه الرخص قد يهز استقرار السوق الائتمانية في المملكة، ويسكتون.. بينما أنّ هناك من يذهب إلى أنّ ثمة (لوبي) من مُلاّك البنوك (المتنفّذين) هم من يضغطون لمنع التراخيص لبنوك جديدة؛ لأنّ ذلك قد يُؤثر على (احتكارهم) للفرص التمويلية في السوق، وبالتالي ينعكس على انخفاض أرباحهم.. وأقولها بصراحة ومباشرة إنّ هذه المقولة قد يكون لها قدر كبير من الصحة، وهذا ما جعل لها رواجاً بين الناس؛ فهناك - (بالفعل) - أناسٌ مستفيدون من بقاء عدد البنوك محدوداً، والمستثمر في البنوك مثل أي مستثمر آخر، سيسعى بكل ما أوتي من جهد إلى إبعاد كل من دخل إلى سوقه كمنافس جديد.

المنافسة التجارية هي دائماً في مصلحة المواطن، وبالذات منخفض أو متوسط الدخل.. خذ مثلاً خدمة الهاتف الجوال، كيف كان الوضع عندما كان (مُحتكَرا) من قبل شركة واحدة، وقارنه بأوضاع سوق هذه الخدمة عندما تنافس على عملاء السوق ثلاث شركات، واحكم.

ولمنع التساهل، والواسطات التي (يهمس) موظفو مؤسسة النقد بأنهم يخافون منها أيضاً.. لماذا لا تُحِدد مؤسسة النقد عدداً من الرخص بعد دراسة استيعاب السوق - (أربع رخص جديدة مثلاً) - وتطرح كل رخصة في (مزايدة)، كما حصل في سوق الجوالات، ومن قدّم ثمناً للرخصة أعلى يحصل عليها؛ ونكون بهذه الطريقة قد وضعنا معياراً (حقيقياً) وعادلاً، لقياس مدى جدّية المتقدم لطلب الرخصة، بحيث لا يُنافس على الرخصة إلاّ من كان فعلاً جاداً وملياً، وقادراً على تلبية الشروط، وأهمها أن يدفع ثمناً لقاء الرخصة، ومن يدفع أكثر (يستاهل)؛ ونتفادى بهذه الطريقة الواسطات،

ومن أجل أن تكون الزيادة فاعلة ومؤثرة وقادرة على تلبية حاجة السوق إلى بنوك جديدة، فإنّ من الضرورة الملحّة - أيضاً - أن تُراجع الأنظمة الخاصة بالرهونات للبنوك مراجعة جادة، بالشكل الذي يجعل البنوك القديمة والجديدة معاً قادرة على حماية نفسها وقروضها من المتلاعبين، ومواكبة حاجات المجتمع التمويلية كما ينبغي.

إلى اللقاء ..

مقالات أخرى للكاتب