Monday 11/11/2013 Issue 15019 الأثنين 07 محرم 1435 العدد
11-11-2013

سقتوا ولا ما سقتوا؟!

خلال سنواتي الثلاث التي قضيتها في دبي، واجهت صعوبات وعثرات مختلفة كأي طالب علم مبتعث خارج وطنه الأم، ابتداءً من صعوبات الدراسة، وصولاً إلى اضطرابات التكيَّف والتعوَّد على نمط حياة مختلف، وانتهاءً بالمسؤوليات الجديدة التي تجد نفسك مضطرًا للتعامل معها كدفع الفواتير وتركيب العفش وغيرها.. ولكن أحد “أغرب” العقبات التي أجزم بأن أيّ مبتعث من دولة أخرى لن يضطر لمواجهتها والتعامل المباشر معها، هي قضية “حظر قيادة المرأة السعوديَّة للسيارة”.. تلك القضية التي شكّلت وماتزال جدلاً عالميًّا وظلت لعشرات السنين ملفًا عالقًا ولقمة لم تهضمها معدة التطوّر المتسارع الذي طرأ على العالم، فأصبحت تشكّل لها أعراض عسر الهضم المزعجة من مغص وغثيان!.

حيث لم يهضم المجتمع الدولي فكرة أن تمنع المرأة من قيادة سيارتها ببساطة وأريحية كجميع نساء العالم، ولم يتقبل فكرة أنها مضطرة لإقناع من حولها بأنها إنسان مكتمل العقل والأهلية قادر على قيادة سيارته بنفسه بكلِّ كفاءة واقتدار، دون أن تحدق بها الذئاب البشرية، أو تفاجأ بشيخ دين يلعب على نفسه قبل أن “يلعب عليها” بأن تلفُا سيصيب مبايضها دون نساء العالم إن قادت.. أو من يُهدِّد بضربها “بالعقال” أو يحذرها من نسب الطَّلاق التي سترتفع بعد ذلك.

كل هذا اللغط جعل هذه القضية تتورم وتصبح كدملة محتقنة وبشعة في وجه الدَّوْلة والشعب السعودي، ومحرض مباشر لخلق مزاج دولي نافر ومشبع بالغضب والشفقة على حال المرأة السعوديَّة، التي لازلت بالرغم من إنجازاتها التي حققتها على مرآى ومسمع العالم موضوعة في خانة ضيقة، ومظلومة من قبل فئة من مجتمعها، تدعي خوفها وغيرتها الشديدة عليها، مع العلم أنها لا تمانع أن تركب السيارة “مترين في مترين” مع سائق غريب الوطن والدين والمعتقد والميول عنها، ما يرسم لوحة اجتماعيَّة صارخة التناقض.

كل ذلك جعلني وغيري من النساء السعوديات اللاتي لا أدعي بأني أتحدَّث بأسمائهن، بقدر ما أمثل تجارب البعض منهن عبر سرد معاناتي الشخصيَّة والإحراجات المتتالية التي أتعرض لها نظير تلك القضية، حيث لطالما دخلت في نقاشات طويلة غالبًا ما تبدأ بنظرة شفقة لصورة الفتاة السعوديَّة وتنتهي بلا مبررات مقنعة لتغيير ذلك، ما دفع إحدى صديقاتي التي تعرَّضت لإحراج ذات مرة بأن تطالب الرافضين لقيادة المرأة بأن يجدوا حججًا جديدة لنقنع بها العالم غير حجة “سكيوز مي، نو انقلش”!.

كما أذكر أني دخلت ذات المرة إلى أحد صفوفي الدراسية بعد يوم واحد من انطلاق الحملة المطالبة بقيادة المرأة.. ففاجأتني إحدى الطالبات التي حرصت على الجلوس بجانب مقعدي قائلة: سقتوا ولا ما سقتوا؟! فأجبتها بسؤال: لماذا يحظى ذلك الموضوع باهتمامك الشخصي؟ فأجابت: (“It’s everywhere” أيّ أنّه في كلِّ مكان! في توتير وفيس بوك وفي نشرات الأخبار الدوليَّة أيْضًا) بلغة أخرى هل تغطين الشمس بإصبعك؟! أجبتها بأن الموضوع يحتاج إلى وقت ولكنه سيحل قريبًا هذا كل ما كان في جعبتي!

كما أنّه في أحد الفصول الأخرى تحديدًا مادة تدعى “الحضارة الإسلاميَّة” تدرس في الإنجليزية كان يتحدث أستاذي عن موضوع الحسبة في الإسلام وكيف أنها كانت محصورة في موضوع مراقبة ومكافحة الغش التجاري.. فأضفت بزهو وفخر في فصل يعمه طلاب من جنسيات مختلفة، بأن رئيسة السوق كانت “شفاء بنت عبد لله” امرأة حكيمة وقوية، عيَّنها الفاروق عمر بن الخطاب لكفاءتها واقتدارها، فأجاب الأستاذ: “حسنًا ، أتمنَّى أن يحدث ذلك في السعوديَّة، ولتكن البداية بقيادة المرأة”.

أخيرًا.. لا يشعر بمثل ذلك الحرج من يعيش داخل الأراضي السعوديَّة ومن يتعامل طوال الوقت مع سعوديين، لكن بمجرد أن تحط رحالك في إحدى دول العالم الأول، سينهال عليك وابل من الأسئلة المندهشة من واقع الحال والمستنكرة له.

لا بُدَّ لتلك القضية أن تحل وإلا ستظل أبدًا ملفًا محرجًا ، ووجهًا كيئبًا يحدق بكلمة “السعوديَّة” ويقلل من شأن الفرد السعودي دوليًّا، كونه ينتمي لمجتمع تحتقر فئة واسعة منه قيمة المرأة، وتناضل بضراوة ضد أن تتمتع بحقوقها، بشعارات دينية حينًا وأخلاقيَّة أحيانًا أخرى في مشهد بات يثير للعزاء والشفقة!.

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب