Friday 22/11/2013 Issue 15030 الجمعة 18 محرم 1435 العدد
22-11-2013

رجال صدقوا: حاطب بن أبي بلتعة

إن حاطب بن أبي بلتعة، واسم أبي بلتعة: عمرو بن عمير بن سلمة، من بني خالفة بطن من لخم، وقال ابن ماكولا: حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير، بن سلمة بن صعب بن سهل بن التيك، ومن لخم بن عدي، حليف بني أسد،

وكنيته أبو عبدالله، وقيل أبو محمد، وقيل: إنه من مذحج، وهو حليف لبني أسد بن عبدالعزى، ثم للزبير بن العوام، وقيل بل كان مولى لعبيد الله بن حميد بن زهير، بن الحارث بن أسد، فكاتبه، فأدى كتابته يوم الفتح، وشهد بدراً والحديبية، كما شهد الله له بالإيمان في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} (1) سورة الممتحنة.. أسد الغابة لابن الأثير 1: 432.

وسبب نزول هذه الآية، كما قال ابن كثير في حاطب بن أبي بلتعة، أن حاطباً هذا كان من المهاجرين، وكان من أهل بدر أيضاً، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش، أرسل إلى أهل مكة، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم، ليتخذ بذلك يداً عندهم، فأطلع الله على ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، استجابة لدعائه، فبعث في أثر المرأة، التي معها الرسالة، فأخذ الكتاب منها، كما جاء في الحديث الصحيح.

قال أحمد حدثنا سفيان عن عمه، أخبرني حسن بن محمد بن علي، أخبرني عبدالله بن أبي رافع، وقال مرة: إن عبيد الله بن أبي رافع، أخبره أنه سمع علياً رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن فيها ظعينة، معها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا، حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة قلنا لتخرجن الكتاب قالت ما معي كتاب، قلنا لتخرجن الكتاب ولتلقين الثياب، قال: فأخرجت الكتاب من قعاصها، يعني في جدائل شعرها، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة، إلى أناس من المشركين بمكة، يخبرهم ببعض أمررسول الله في الحرب، فقال صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا، قال: لا تعجل علي، إني كنت امرأً ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون، وما فعلت ذلك كفراً، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضا بالكفر بعد الاسلام.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صدقكم، فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه، من غير وجه عن سفيان بن عيينة به (تفسير ابن كثير 4: 341).

وذكر ابن سعد في طبقاته: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رجع من الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، بعث حاطب بن أبي بلتعة، إلى المقوقس القبطي صاحب الاسكندرية، وكتب معه كتابا إليه، يدعوه فيه إلى الإسلام، فلما قرأ الكتاب قال خيراً، وأخذ الكتاب وكان مختوماً، وجعله في حق من عاج وختم عليه، ودفعه إلى جارية له، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، جواب كتابه ولم يسلم، وأهدى إلى رسول الله مارية القبطية، وأختها سيرين وحماره يعفور، وبغلته دلول، وكانت بيضاء ولم يك في العرب يومئذ غيرها 1: 134.

وفي موطن آخر زاد: فكتب المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت أن نبياً قد بقي، وكنت أظنه يخرج في الشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما.

فكان في القبط عظيم، وقد أهديت لك كسوة، وبغلة تركبها ولم يزدعلى هذا، ولم يسلم.

فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وأخذ الجاريتين، مارية أم إبراهيم، بن رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته، وأخذ الجاريتين: مارية أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأختها سيرين وبغلة بيضاء، لم تكن في العرب يومئذ غيرها، واسمها الدلول، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه،

قال حاطب: كان لي مكرماً في الضيافة، وقلة اللبث ببابه، ما أقمت عنده إلا خمسة أيام 1: 260.

قال عنه الزركلي: شهد الوقائع كلها، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الرماة في الصحابة، وكانت له تجارة واسعة، وقد كان أحد فرسان قريش وشعرائها، في الجاهلية، مات في السنة 30هـ (الأعلام: 2: 163) وصلى عليه عثمان بن عفان، وكان عمره خمساً وستين سنة.

له مناقب وفضائل منها أن الله سبحانه شهد له بالإيمان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقه. ووصفه بذلك في إخباره عن سبب بعثه بالرسالة لقريش، ومنها أن رسول الله سلم إليه سلب وفرس عتبة بن أبي وقاص، بعدما قتله انتقاماً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، في غزوة أحد، لأن عتبة هشم وجه رسول الله، ودق رباعيته بحجر، ودعا له رسول الله بقوله: رضي الله عنك مرتين (سير أعلام النبلاء 2: 44)، وأنه لا يدخل النار كما روى مسلم والترمذي: أن عبداً لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكو حاطباً إليه، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (كذبت لا يدخلها، فإنه قد شهد بدراً، والحديبية) فضائل الصحابة 5: 291.

وقد روى عنه كثيرون منهم ابنه يحيى الفقيه، الذي كان من جملة ما رواه حديث الجمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من اغتسل يوم الجمعة، ولبس أحسن ثيابه وبكر ودنا، كانت كفارة إلى الجمعة الأخرى) أخرجه الثلاثة.

واعتبره الكتاني في كتابه: معجم فقه السلف، من فقهاء الصحابة، كما اعتبره غيره فقيهاً يرجع إلى قوله ورأيه، في بعض المسائل التي تحتاج إلى ما يعضدها ويقويها، قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني: فقد أجمع جمهور الفقهاء، وأهل الفتوى على أن العبد والأمة يجب قطعهما بالسرقة لعموم الآية: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} (38) سورة المائدة، إذ روى الأثرم، أن رقيقاً لحاطب بن أبي بلتعة، ومعه رفقاء، سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فأمر كثير من السلف أن تقطع أيديهم.

ثم قال عمر: والله إني لأراك تجيعهم، ولكن لأغرمنك غرماً يشق عليك، ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟ قال: أربعمائة درهم، قال عمر لحاطب: أعطه ثمانمائة درهم (المغني 12: 450).

وفي رواية أنه دنا عنهم القطع، لما ظن أنه يجيعهم (المغنى 463).

وكان حاطب يبيع في الطعام، فجاء عمر يوماً وأراد التسعير، وكأن حاطبا أنكر على عمر ذلك، وقد روى سعيد والشافعي أن عمر لما رجع حاسب نفسه، ثم أتى حاطباً في داره، فقال: إن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء، وإنما هو شيء أردت به الخير لأهل الخير، فحيث شئت فبع كيف شئت.

ولعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ظهر له بعد ذلك أن الإمام ليس له أن يسعر للناس، لما جاء في حديث أنس الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله غلا السعر، فسعر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو المسعر، القابض الباسط، الرزاق إني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد يطلبني بمظلمة في دم ولا مال. (المغني 6/311 - 312).

فرجع عن رأيه، بعدما استبان له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان طلحة والزبير يشددان في الوصية، وتابعهما رضي الله عنهما في هذا كثير من الصحابة والتابعين، لحديث ابن عمر عند مالك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين، إلا ووصيته عنده مكتوبة).

قال ابن عمر ما مرت علي، منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، إلا وعندي وصيتي، إلا أن قوماً يرون أنها ليست فرضاً، بحجة ما جاء في الحديث، نفسه: له شيء يريد أن يوصي فيه، حيث رد الأمر فيه، على إرادته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يوص.

وروى القائلون بذلك: أن ابن عمر هو راوي الحديث لم يوص) وأن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لم يوص، كذلك، بحضرة عمر رضي الله عنه، وأن ابن عباس قال: في من ترك ثمانمائة درهم قليل، ليس فيها وصية.

وقد أخذ بهذا الرأي النخعي، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي..

فرضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحم علماء الإسلام، ما أحرصهم على استظهار الدليل وحرصهم على التوثيق والمناقشة.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب