Saturday 01/02/2014 Issue 15101 السبت 01 ربيع الثاني 1435 العدد
01-02-2014

عن التعاون والتعدد اللغوي

أرسل لي الوزير والمفكر المغربي محمد العربي المساري برسالة إلكترونية كانت على أثر مقالة أشدت فيها بأفكاره، ومما جاء فيها: «مرة أخرى أشكركم على حسن الظن بأخيكم هذا الذي يجل فيكم التطوع لخدمة الفكر والعمل الدؤوب في تنشيط الحوار الخلاق فيما بين مثقفي الضفتين.

النقاش الذي نشب أخيراً حول التعدد اللغوي يكاد ينحرف إلى مسار إيديولوجي منغلق، بل وحزبي إقصائي... والحال أن الفرنسية كما كانت الإسبانية طيلة مائتي عام بالنسبة لمعاملاتنا الديبلوماسية والتجارية هي لغة انفتاح وتواصل، ولا يمكن التفريط فيها الآن، وقد أصبحت رأسمالاً ثابتاً للمغاربة رغم أن فرضها كان بفعل حادث سلبي هو الاستعمار؛ والتاريخ مليء بالأحداث السلبية التي أدت إلى غير ما يسعى إليه مدبروها. أذكر أنني طلبت من وزير الخارجية في مقابلة اصطحبت فيها المدير السابق للقناة الثانية وهي بعد من القطاع الخاص أن تسهم الخارجية في دعم مالي للقناة نظراً للوقع الذي لبرامجها في إفريقيا الغربية إلى درجة ضايقت القناة الفرنسية كنال بلوس؛ أي أن الفرنسية فرصة لتعاون ثلاثي فرنسي إفريقي مغربي فضلاً عن كونها لغة انفتاح، ولكن لا يقبل أن تتحول إلى أداة انغلاق كما يريد غلاة التغريب... معنى أن ما يضايقنا وأصبح يمثل مظهر استفزاز ليس هو وجود الفرنسية بل طغيانها الذي دفع البعض إلى فرض هيمنة احتكارية وهكذا فإن الزيادة في الشيء نقصان كما قال أسلافنا، وعدم التبصر لدى التمكين للفرنسية على حساب العربية هو الذي أصبح يمثل استفزازاً لا يُطاق.. وقد بينت في كتابي الذي راقكم وسعيتم إلى توسيع انتشاره بطبعه في المشرق أن الاحتكاك مع الطبقة المفكرة الفرنسية أثناء الأزمة جعل المغاربة يكتشفون أن هناك فرنسا أخرى نبيلة ترفض الظلم وتبشر بالعدل والتسامح... وكنت قد بسطت هذا في عرض أدليت به في أول لقاء نظمتموه عن الحوار بين الحضارات... إن الموضوع كما ترى متشعب وهو جدير بأن يؤدي إلى نقاش مترفع، كما يمكن أيضاً أن يسقط في مهاوٍ منحرفة غريبة على الجو الذي نريده أن يسود....» وهذا كلام كله صواب ويحمل الكثير من الدلالات، ولعل من أبرزها أن الفرنسية كما كانت الإسبانية طيلة مائتي عام بالنسبة لمعاملاتنا الديبلوماسية والتجارية هي لغة انفتاح وتواصل، ولا يمكن قلع هذا المسلم في رمشة عين وإلا ضاعت مصالح البلاد والعباد؛ إنه في إطار النقاش الصحي الذي يدور اليوم في المغرب، لا يجب أن ينحرف موضوع القطب العمومي إلى مسار إيديولوجي منغلق بل وحزبي إقصائي؛ ثم لا يمكن التفريط في اللغة الأجنبية الآن وقد أصبحت رأسمالاً ثابتاً للمغاربة خاصة لدولة لا تملك البترول والغاز وموجودة في شمال إفريقيا وفي جنوب المتوسط، وأنها من خلال القناة المغربية الثانية، فامغرب يمكنه أن يلعب فرصة لتعاون ثلاثي فرنسي إفريقي مغربي لتسهم القناة بذلك في تثبيت دبلوماسية الإعلام ذات المردودية التي لا يمكن أن تقدر.

ولا يمكن والحالة هاته تصور قوة ناعمة للمغرب في إفريقيا خصوصاً في الشق الاقتصادي منها دون حضور قوة إعلامية مغربية تتحدث باللغة التي يجيدها الأفارقة وهي الفرنسية.

وللذكر فإن المغرب يسهم بشكل فعال في القيام بمشاريع اقتصادية ومالية عدة مع دول القارة الإفريقية وفي مجالات متعددة.

كما أنه لا يجب أن ننسى أن القارة الإفريقية لها خزانات هائلة غير مستغلة، فهي قارة تضم مليار مستهلك، وسيتضاعف حجم سكانها في غضون أربعين عاماً؛ وهي قارة تنمو فيها الطبقات الوسطى في بيئات تتحضر شيئاً فشيئاً؛ وهي قارة تزخر بالموارد الطبيعية، الذهب الأصفر، والذهب الأزرق (الماء)، والذهب الأخضر (الغابات والخشب)، والذهب الأسود (النفط)، والغاز الطبيعي وغيرها من الثروات؛ وهي قارة تسجل معدل نمو اقتصادي أعلى من المتوسط العالمي؛ وهي قارة تزخر بالفرص المتاحة في مجالات عدة:

- الطاقة.

- البنيات الأساسية: تقدر الاحتياجات في ما يقرب 100 مليار دولار لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية لسنة 2015.

- والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الصناعة الغذائية: فهناك أراض غير مستغلة، وضعيفة المردودية، حيث لا يتم ترشيد الري، ولا تستعمل الآليات، وحيث الصناعة التحويلية محدودة.

- الصناعة التحويلية: إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي أقل بالثلث من إسهام مثيلتها بالنسبة للبلدان ذات الدخل المتوسط - الذي يُعد منخفضا أصلاً. كما أن حصتها في الإنتاج الصناعي العالمي ضئيلة جداً: ما يقارب 1 في المائة....

- وهاته المعطيات درس للمسؤولين عن القطاع الإعلامي في المغرب الذين عليهم أن يواكبوا المصالح الاقتصادية للبلد ويصدروا إعلاماً تلفزياً يتماشى وروح هاته القوة الناعمة التي يريد من خلالها المغرب تثبيت وجوده في إفريقيا.

وتتقاسم المملكة المغربية مع إفريقيا، التي تمثل امتدادها الطبيعي وعمقها الإستراتيجي، روابط حضارية عريقة وعلاقات إنسانية وجغرافية أيضاً.

وقد كان المغرب دائماً صلة وصل بين أوروبا البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، فهو الذي نشر الإسلام في منطقة الساحل جنوب الصحراء عن طريق الزوايا والجمعيات الدينية خصوصاً التيجانية والقادرية.

ولتأكيد عراقة علاقة المغرب بالقارة الإفريقية، كان المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني يستعمل دائماً صورة مجازية يقارن من خلالها المغرب بشجرة تمتد جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوروبا.

كما نسج العاهل الراحل علاقات متميزة مع القادة الأفارقة، وقدم دعماً لا يستهان به لحركات التحرير الوطنية خاصة للدول الناطقة باللغة البرتغالية وجنوب إفريقيا.

وقد نظمت حركة تحرير غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر (PAIGC) والحركة الشعبية لتحرير أنغولا (MPLA) وجبهة تحرير الموزامبيق (FRELIMO)، أول مؤتمر لها ودربت أولى عناصرها المسلحة على الأراضي المغربية.

كما كان المغرب، تحت حكم المرحوم الحسن الثاني، أحد مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية (OUA)، وشارك بشكل فعال في صياغة الميثاق الإفريقي.

وتتجلى الأهمية التي توليها المملكة المغربية لتنمية علاقاتها مع الدول الإفريقية فيما يقارب العشرين زيارة التي قام بها العاهل المغربي الملك محمد السادس لدول القارة الإفريقية منذ توليه العرش، حيث سمحت هذه الزيارات الملكية بإعطاء نفس جديد للمبادلات وتقوية التعاون جنوب-جنوب.

فخلال هذه الزيارات، أعرب العاهل المغربي عن تضامنه مع الدول الإفريقية وخصوصاً الدول الأقل نمواً (PMA).

ففي مؤتمر القمة الأول بين أوروبا وإفريقيا الذي انعقد في القاهرة في أبريل سنة 2000، أعلن المغرب عن إلغاء ديونه تجاه بعض الدول الإفريقية، والإعفاء الكلي للرسوم الجمركية على البضائع الموجهة للمغرب من هذه الدول أيضاً.

وفي سنة 2002، ترأس العاهل المغربي اجتماعاً لتسوية النزاع في نهر مانو (Mano) بين رؤساء دول غينيا وليبريا والسيراليون، وأسهم في عودة الثقة بين قادة المنطقة.

وقدم المغرب أيضاً مساعيه الحميدة وأسهم، بوصفه عضواً في المجموعة الدولية من أجل ليبريا، لإيقاف الأعمال العدائية بين المقاتلين وإنهاء معاناة الشعب الليبيري الذي واجه حرباً أهلية لسنوات عدة.

وبمناسبة القمة العربية-الإفريقية الثانية التي انعقدت في مدينة سرت بليبيا في سبتمبر 2011، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى وضع شراكة جديدة مع إفريقيا، مشيراً إلى أن هذه الشراكة هي السبيل القويم لاستثمار كل الإمكانيات والفرص المتاحة، من أجل تحسين ظروف عيش الشعوب الإفريقية، وتحقيق أهداف تنميتها المستدامة.

مقالات أخرى للكاتب