Thursday 20/02/2014 Issue 15120 الخميس 20 ربيع الثاني 1435 العدد
20-02-2014

لماذا تحمل مدارس البنات أرقاماً وليس أسماء كما مدارس الذكور؟

المتوسطة الثالثة والخمسون، الابتدائية المائة والأربعون.. الثانوية السادسة عشرة. هكذا كنا نعرف مدارسنا في التعليم العام من الابتدائية حتى الثانوية.. أرقام متسلسلة من دون هوية واضحة. مجرد أرقام في الكشف الرسمي للرئاسة العامة للبنات التي أشرفت على تعليمنا جميعا منذ نشأة التعليم في بداية الستينات على يد الملك سعود وحتى العام 2004.

حين قرر الملك عبد الله دمج إدارات التعليم وهيئاته المتعددة تحت مظلة وزارة التربية والتعليم، وبقي هذا الدمج صوريا فعلا لفترة طويلة، إذ بقيت الهيئات والإدارات (ولا زالت) التي تشرف على تعليم المرأة مفصولة تماما عن إدارات البنين، لكن ما اختلف هو أن المرجعية العليا الآن هي لوزير التربية والتعليم وليس للرئيس العام في رئاسة البنات الذي اختفى منصبه بتوحيد الإدارتين.

مقابل ذلك كانت مدارس البنين تكنى بمسميات ذات دلالات معنوية وتاريخية، كمتوسطة ابن خلدون وثانوية اليمامة الخ.

الذي أثار ملاحظتي هو قرار وزير التربية والتعليم السابق الأمير عبد الله بن فيصل وذلك من خلال التعميم الذي أصدره قبل تركه الوزارة في تاريخ 3/10/2013 باعتماد تغيير مسميات مدارس البنات المحدثة من أرقام متسلسلة إلى أسماء ذات دلالة معنوية وتاريخية واضحة، وفق الدليل الذي أعدته الوزارة مؤخرا وصدرت عليه موافقة المقام السامي. وفي حال الرغبة في أسماء أخرى يكون ذلك عن طريق وكالة الوزارة للشؤون المدرسية بعد ضبطها بالمعايير المحددة.

لماذا بقيت مدارس الفتيات طوال أربعين سنة مجرد أرقام متسلسلة؟ وكيف يمكن تفسير ذلك في ضوء الموقف الاجتماعي والثقافي من المرأة؟

حين بدأ التعليم الرسمي للمرأة في السعودية كانت الحكومة بحاجة إلى ضم أعلى الهيئات الدينية تحت جناحها؛ لدعمها في الدفع بقبول هذا التعليم لتتمكن من إقناع الناس به وأنه وإن كان شيئا جديدا لم يألفه الناس إلا أنه لا يخالف الشريعة السمحة، ويومها صدر الأمر الملكي الذي أمر بافتتاح مدارس البنات، لكن بوضعه تحت مظلة إشراف مباشر من سماحة المفتي الأكبر محمد بن إبراهيم آل الشيخ.

في ذلك الوقت كان كل ما يتعلق بحضور المرأة في المكان العام يعد عيبا وأمرا مخجلا لعائلتها الصغيرة والممتدة... لذا كان الناس يستعيبون ذكر أسماء أمهاتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم، وكانت الخلافات على الشرف تصل أحيانا إلى حد النزاع والقتل، حين يستشعر طرف ذكوري مرور ذكر أي من نساء عائلته على لسان رجل (غريب)!

لذا جاء نظام التعليم المقدم للمرأة ليتناسب مع الحالة الاجتماعية التي رأت الرئاسة العامة آنذاك أنها مناسبة جدا للمرأة، لتستمر فيها دون أي تغيير مع تعليم مؤدلج دينيا ليساعدها في أداء أدوارها المعروفة والمقررة اجتماعيا كما توارثها الآباء عن الأجداد، أي كزوجة أولا ثم أم ثانيا لذا تم افتتاح المدارس الابتدائية وبالتوازي معها تم افتتاح معهد إعداد المعلمات لتوفير نساء يدرسن النساء في أماكن مفصولة ومغلقة، ويقف على بابها المقفل حارس ذكر يتلبس ذات السمات الدينية من حيث المظهر الخارجي وإطلاق اللحية ويكون في الغالب كبير السن، فيأتي الآباء ببناتهم إلى المدرسة التي تقفل عليهم حتى بعد صلاة الظهر ليستلمهن الأب أو الزوج ويقفل عليهن في البيت حتى الصباح التالي وهكذا دواليك.

لم ينظر إلى التعليم على انه معرفة وخلق للوعي بالذات والعالم من حول المتعلمة. التعليم جاء ليفك أبجديتها اللغوية لكنه كان يؤدي وظيفته الاجتماعية والثقافية من حيث إعادة إنتاج ذات الواقع الاجتماعي كما عرفه المجتمع آنذاك، وكما رآه المسؤولون في الرئاسة العامة لتعليم البنات بين أمهاتهم وجداتهم وعكسوا ذلك في فلسفته وسياساته العامة ومناهجه وطرق إدارته، فالمرأة ملك للذكور في عائلتها وهم المسؤولون عنها، وهي تأتي دارسة كانت أو معلمة من الصباح الباكر حيث أولادها في المدرسة ليغلق عليها الباب باعتبارها أمانة لدى المدرسة يتم تسليمها لذويها بعد صلاة الظهر مباشرة؛ لتتمكن من إعداد الغداء للأب أو الزوج وهو الموظف الحكومي الذي يحضر للبيت بعد الثانية، وهكذا تم ترتيب تعليم المرأة وعملها ضمن هذه المنظومة الاجتماعية البسيطة حتى يستمر النسق الاجتماعي بوظائفه التقليدية دون تغيير.

أسماء مدارس البنات لم تكن بعيدة عن هذه المنظومة، فما دام أن من المحرج للرجال التلفظ بأسماء النساء في عائلتهن فلا يجوز ذلك على الصحابيات وهن الأكرم!

ما الذي حدث من تغير قيمي وثقافي في هذا المجتمع الساكن حتى بدأ يفكر في وضع مسميات لمدارس البنات، أي بإعلان صريح لاسم المرأة في المكان العام؟

تمتعت المرأة السعودية ومنذ قدوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله إلى الحكم عام 2004 بالكثير من الحقوق وبفرص تعليمية ووظيفة وسياسية كانت إلى قبل ذلك الزمان في حكم الأحلام، منها افتتاح تخصصات عديدة لم تكن متاحة، ومن مثل ضم الطالبات لبرنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي وإتاحة للعمل لها في قطاعات كانت محرمة عليها قبلا، وهكذا بالتدريج بدأ ظهور المرأة في العلن وبدا اسمها يتردد على استحياء بين الفينة والأخرى.

ولعل الفيصل في ذلك هو أيضاً ما فعله خادم الحرمين الشريفين حين خرج على شعبه قبل افتتاح جامعة الأميرة نور بنت عبد الرحمن ليقول إنه استخار وانه سيطلق اسم عمته على جامعة البنات الجديدة.. هذه العمة التي عرفت بشجاعتها وبأسها ورأيها الرشيد ودعمها لأخيها الملك عبد العزيز المشهورة عنه كلمته المعروفة: أنا أخو نورة. هذه الخطوة على بساطتها الخارجية حملت دلالات ثقافية واجتماعية عميقة، وهي أن المرأة لا تعيب ولا يستعاب من اسمها، بل هي مصدر للفخر وهي شقيقة الرجل متى أتيح لها ذات الفرص التعليمية والوظيفية، حتى أن الأسرة الحاكمة أطلقت اسم إحدى إناثها على الجامعة الفتية.

نعم.. هناك تحولات عميقة تطال أوضاع وأدوار وواجبات المرأة في مجتمعنا، لعل أولها وربما ابسطها أن تعطى كينونة واضحة من خلال التماثل مع خالدات التاريخ، كأمنا خديجة بنت خويلد وعائشة - رضي الله عنهما - وغيرهما كثير.. الحمد لله الذي تمكنا من زحزحة عقبة صغيرة في الطريق تفتح ضوءا في النفق الطويل!

مقالات أخرى للكاتب