Monday 24/02/2014 Issue 15124 الأثنين 24 ربيع الثاني 1435 العدد
24-02-2014

تجربة اليابان المثيرة

تصدرت وسائل الإعلام إشادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد حفظه الله بتجربة اليابان المثيرة للإعجاب، وبمسيرتها الملهمة للدول في سعيها للتنمية والتقدم، وذلك في كلمة له خلال الحفل الذي أقيم في جامعة «واسيد» اليابانية، بعد تسلمه شهادة الدكتوراة الفخرية في الحقوق، وتجربة إمبراطورية اليابان بالفعل مثيرة للدهشة، لا سيما أنها تتجاوز المنتجات الصناعية التي غزت أنحاء العالم، وخرجت في دولة فقيرة بالثروات الطبيعية، لكنها أصبحت بمرور الوقت غنية بالكوادر البشرية، لتصبح أحد أقوى اقتصاديات العالم الحديث.

الاقتداء بالتجربة اليابانية المثيرة حلم شعوب دول العالم الثالث، وأجد في تلك الإشادة لسمو العهد دعوة للمجتمعات المتخلفة عن الركب الياباني للاطلاع على تلك التجربة المثيرة، والتفكير ملياً في كيفية الوصول إليها، ولن يحدث ذلك إلا بالسير في الطريق التي أوصلها لمرحلة الإنجازات التنموية العملاقة، ولم تصل اليابان إلى ذلك إلا لأنها كان تملك الشجاعة في أن تصل بالتخطيط إلى مرحلة إلغاء النظام الإقطاعي القديم، وتبني العديد من مظاهر المؤسسات المتطورة، كنظامي القانون والإدارة الحديثة للبلاد، وهي المسيرة الإصلاحية التي بدأت بإصلاح الإمبراطور ميجي في 7 أبريل 1868، وقد كان بمثابة الأساس لليابان الحديثة.

يتكون نص القسم من خمس فقرات، يأتي في مقدمتها تشكيل المؤسسات المستقلة، ويكون إقرار جميع الأمور عن طريق الحوار المفتوح، وهو ما وضع حداً للمركزية، وساهم توحيد جميع الطبقات بشكل متوازن، ساهم في تأهيل المجتمع والطبقة المتوسطة لتحمل مسؤولية إدارة أمور التنمية، وهو ما سمح للعامة الذين لا ينتمون للطبقات المؤثرة في أن يحققوا ما يطمحون له دون أي عرقلة إدارية، وهو ما تعاني منه كثير من دول العالم الثالث، بل يشكل عوائق في مسيرتها التنموية..

كان العهد التاريخي الشهير في اليابان يوصي بإحداث نوع من القطيعة مع بعض عادات وتقاليد الماضي السيئة، وأن تُحكم الأمور بناء على القوانين، كما يجب نشر المعرفة في أرجاء البلاد لتقوية أسس الحكم الإمبراطوري في الدولة، ولا شك أن سر نجاح اليابان يكمن في إرث طويل الأمد، ولم يكن مجرد قرارات عابرة، فقد كانت فلسفة الإصلاح تقوم على ثقافة التوفيق بين تقاليد الماضي الإيجابية وبين الحداثة، وهو ما حول اليابان إلى دولة عملاقة، لكنها مع ذلك لم تتخل عن هويتها الوطنية وثقافتها العريقة.

تحلم جميع دول العالم الثالث في أن تكون في مستوى اليابان وأكثر، بل توجد رغبة عارمة من قبل الجميع في أن تصل إلى مستويات تلك الدولة العملاقة، ولكن يبدو أن هناك معوقات من الصعوبة أن تتجاوزها هذه الدول ما لم تواجهه تحدياتها كما واجهتها اليابان، ومنها إصلاح تركيبة المجتمع على غرار قسم ميجي، والذي نص على أهمية تجاوز المتكونات الفئوية أو القبلية أو الشبيهة لها، كذلك العمل على تغيير ما يطلق عليه باقتصاد القبيلة أو الطبقة، والذي ينص على وجود موارد خاصة للقبائل، وهو ما يشجع على البطالة، ويشكل عائقاً لثقافة العمل والرغبة في تطوير القدرات الذاتية، ويعني تجاوز هذه التقاليد خطوة في طريق استبدال الوحدة الأساسية للمجتمع من القبيلة البدائية إلى الشركة العملاقة على غرار شركات تويوتا وسوني وغيرها.

في ثنايا أحلام الوصول إلى مرحلة اليابان الحضارية، تشهد مختلف دول العالم الثالث جهوداً لمكافحة الفساد ملفتة للنظر، وقد تصدرت أخبار الإعلام تشجيع ثقافة الشفافية والنزاهة، لكن يبدو أن تلك الجهود في تلك الدول تحتاج إلى مزيد من الصلاحيات، ومنها على سبيل المثال إعطاء القضاء صلاحيات في نظر القضايا ضد المفسدين في المحاكم، وذلك عبر تفعيل فعاليات المجتمع المدني في الكشف عن أوجه الفساد، وهو ما سيؤدي في نهاية الأمر إلى حماية الثروة الوطنية لتلك الدول، وتهيئة الوطن إلى الانتقال إلى مراحل متقدمة في طريق الوصول إلى اليابان.

كذلك لا تزال تجارب الحقوق في الدول خارج دائرة النمور الآسيوية أقل بكثير عن التجربة اليابانية وشقيقاتها، برغم من الجهود الملحوظة، وربما تحتاج إلى دفعة إدارية في ذلك الاتجاه لتصبح الحقوق الإنسانية حق مقدس في حياتهم العامة، على أن تُبذل الجهود لإصلاح وتقنين أنظمة حقوق الإنسان وتوحيدها تحت مظلة مستقلة للقضاء، وسيساهم ذلك في تحريك العجلة نحو مرحلة الوصول إلى يابان جديدة في الغرب الآسيوي، وتتميز أغلب دول الغرب الآسيوي بمقومات الدولة الغنية بالثروات الطبيعية، وهو ما تفتقده اليابان، لكن الفارق يمكن على وجه التحديد في المقومات البشرية والوعي الحضاري، والتي كان فيهما القول الفصل في الوصول إلى الحالة اليابانية. حفظ الله سمو ولي العهد في حله وترحاله والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب