Thursday 31/07/2014 Issue 15281 الخميس 04 شوال 1435 العدد
31-07-2014

مشاهد دموية في عيدنا السعيد

الأوضاع التي يمر بها العالم العربي في هذا العيد وقبله وبعده تُعد حالة استثنائية في القتل والتدمير والتشتت والفرقة.. غزة حرقتها إسرائيل، وسوريا يتواصل فيها التدمير، والعراق يستمر فيه الاقتتال، وليبيا تدخل مرحلة حرب أهلية ومنعطفات خطيرة،

واليمن بين كر وفر وقتال.. ومصر لا تزال تتعرض لهجمات من متطرفين في سيناء وغيرها.. هذا مشهد دموي في عيدنا السعيد الذي نمر به هذه الأيام.. ولهذا فلم يعد سعيداً، ولم يعد عيداً في عالمنا العربي الكبير..

لقد أصبح هذا المشهد مألوفاً على شاشاتنا، نطالعه في كل أوقات العام، لكن نحس به أكثر في أوقات الأعياد؛ إذ نفتقد الفرح في أيام الفرح، ونفتقد السعادة في أوقات السعادة.. وفي أيام العيد نفتقد العيد.. هذا مشهد تآلفنا عليه في كل عيد.. وهذا العيد لم يكن استثناءً بل هو ربما من أسوأ أعياد الأمة العربية التي مررنا بها في العصر الحالي، بما فيه من انتشار العنف والقتل والتدمير لأبناء الوطن الواحد واللغة الواحدة والعقيدة الواحدة..

وإذا حللنا الموقف بدقة، ونظرنا إليه بتمعن، ودرسناه بعين واعية، سنجد أن التطرف هو مفتاح كل هذه المشاهد الدموية التي نعاني منها في أرجاء الوطن العربي. والتطرف أصبح هو المحرك الأساسي للعنف، ليس فقط في العالم العربي، ولكن في أرجاء مختلفة من مناطق العالم. ويظل التطرف هو لغة العنف في القرن الحادي والعشرين، وهناك أوضاع وأحوال تطرف كانت في القرن العشرين، لكن ما يغلب على نزاعات الاقتتال والحروب في القرن الحادي والعشرين هو التطرف الذي ولد ويولد العنف..

إنَّ التطرف هو فكر منحاز نحو قراءة نصوص دينية أو ما شابهها، وتفسيرها تفسيراً انحيازياً، يقود إلى الدخول على منظومة الأمن والاستقرار الداخلي للدولة أو حتى للمنطقة من أجل التشكيك في نصوص دينية بينة ومقولات تاريخية واضحة وشرعيات نظامية مستتبة؛ وبالتالي توليد جيل مناهض للاستقرار ومؤيد للعنف ومبرر لأي قتل أو تدمير.. وهذه الحالة من بناء فكر تطرفي يتبعه سلوك ممنهج للعنف هو الذي قاد إلى الآن للحالة التي يمر بها الوطن العربي بشكل خاص.. خاصة منذ بداية القرن الحادي والعشرين..

فإذا نظرنا إلى حالات العنف والقتل في العالم العربي فسنجد بصمات التطرف واضحة في كل مكان من هذا العالم، فسوريا حالة خاصة ولد النظام فيها العنف ضد مواطنين أبرياء؛ ما أدى إلى ردة فعل مقاومة لعنف النظام، وتأسس الجيش الحر للدفاع عن عموم الشعب السوري، لكن دخل التطرف على خط المقاومة، ونشأت جماعات متطرفة، بعضها مع فكر النظام، وبعضها خارج النظام، لكنها جميعاً بعثرت جهود المقاومة، وخلطت الأوراق، وأدت إلى إطالة أمد الحرب الأهلية التي دخلت عامها الرابع. وكانت للجماعات المتطرفة دور في دعم بقاء النظام، وإطالة الحرب. وقد استثمر النظام السوري هذه الجماعات المتطرفة؛ ليشبكها مع فكر المقاومة الأصيلة، وحتى يبعثر أوراق المقاومة. كما أن دخول هذه الجماعات في حرب واقتتال مع الجيش الحر كان أحد الأسباب التي جعلت الحالة السورية في أزمة مستمرة، ولا يبدو أن لها أفق انفراج قريب..

اليمن يعيش في أزمة تطرف حقيقي من الدرجة الأولى؛ فأصبح اليمن مقراً للقاعدة ومنطلق هجماتها وحضناً لتفريخ أبنائها، ولا تزال القاعدة مستمرة في عنفها في اليمن، وكذلك دخول قضية الحوثيين على خط الحياة في اليمن أدى إلى تفاقم الأزمة اليمنية.. حتى باتت القضية الأمنية الأولى في اليمن هي قضية الحوثيين. ولا شك أن دعم إيران لجماعات الحوثيين هو الذي خلق منهم قوة تحاول أن تفرض سطوتها على صوت الدولة. وما يقوم به الحوثيون هو أجندة متطرفة، ليس فقط ضد كيان الدولة اليمنية ولكن على مستوى دولة الجوار الكبرى (المملكة) وهي المستهدف الأساسي من هذه الجماعة..

والعراق حالة تمازج فيها عنف النظام وانحيازه الطائفي بقيادة المالكي مع فكر متطرف عنيف غذاه هذا الانحياز المؤسسي، وتولدت جماعات متطرفة بسبب النظام أو لأسباب أخرى، مثل حالة داعش كحالة ولدتها أنظمة استخبارات إقليمية من إيران وسوريا والعراق بهدف تغيير خارطة المنطقة، ويبقى السؤال هل: توحشت هذه الجماعة على مؤسسيها، وتمردت عليهم، كما فعلت القاعدة مع الاستخبارات الأمريكية في أفغانستان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عندما كانت القاعدة هي شوكة وضعتها الاستخبارات الأمريكية، ودعمتها لمقاومة الغزو السوفييتي لأفغانستان؟ هل داعش هي حالة تمردت على أنظمة الاستخبارات الإقليمية المدعومة من إيران أم أنها لا تزال تنفذ أجندة هذه الأجهزة التي تتلاعب بعقول شباب مراهق يتم التضليل بهم لتنفيذ أجندات سياسية، هم لا يدركون أبعادها؟

ليبيا دخلت مرحلة حرب أهلية، سببها الأساسي تطرف جماعات دينية، تحاول أن تبعثر أوراق الحياة السياسية في الدولة الجديدة الليبية، وتغذي هذه الجماعات جيلاً جديداً؛ ليحمل داخله كراهية وحقداً يحفزه على الاقتتال والتدمير، وهذا ما نشاهده اليوم؛ إذ وصل المشهد الليبي إلى حالة خطيرة، ستؤدي حتماً إلى حرب بل حروب أهلية. والعنف في ليبيا بذرائع مختلفة، قبائلية أو عقدية أو مناطقية أو غير ذلك..

والحالة التي تعيشها غزة منذ انفصالها عن السلطة الفلسطينية هي حالة تطرف على النظام الشرعي للحكومة الفلسطينية. ونحن لا شك ندعم مقاومة حماس وغيرها من جماعات المقاومة ضد الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، لكنا في الوقت نفسه نرى أن حماس كانت وراء تشتت الشعب الفلسطيني وتفريق كلمته، وهي أحد أسباب معاناة أبناء وبنات غزة منذ سنوات عدة؛ فقد كان لإعلان انفصالها عن السلطة - ضمن فكر متطرف بلغة الكيان الفلسطيني الكبير - هو أحد مسببات الوضع المتردي للفلسطينيين في غزة على وجه الخصوص..

ومصر والإخوان هما حالة أخرى من تطرف فكر وسلوكيات عنف، أدت إلى حالة من عدم الاستقرار في مصر وإلى بعثرة أركان الدولة المصرية.. ورغم ولادة نظام جديد في مصر بشرعية شعبية كبيرة إلا أن حالات العنف مستمرة، واستقرار الدولة تحت تهديد العنف المتطرف في سيناء وغيرها..

وأخيراً، نسأل لماذا هذا التطرف؟ ولماذا عجزت المدرسة والأسرة والإعلام كمؤسسات مجتمعية في إيقاف الفكر المتطرف في المجتمعات العربية؟ هذا سؤال استراتيجي؛ يجب أن يكون هو محور اهتمام المؤسسات السياسية في العالم العربي خلال هذا العقد، وخلال العقود القادمة.. وإذا جربت بعض الأنظمة السياسية العربية الحلول الأمنية، لكنها ستظل علاجية لحل وضعية مؤقتة، فلماذا لم تدخل في حلول وقائية لاستئصال التطرف من العقول والقلوب قبل الأيادي والسلاح؟ في نظري، إن هذا ما يجب أن تتحرك إليه الأنظمة العربية في تخطيطاتها السياسية القادمة..

alkarni@ksu.edu.sa

رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال،رئيس قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد

مقالات أخرى للكاتب