19-08-2014

تمويل الخلايا الأمنية

يوماً بعد آخر، تثبت السعودية، أنها الدولة الأكثر جدية، ومبادرة في تمويل برامج مكافحة الإرهاب الدولي، وتحويل أقوالها إلى أفعال على أرض الواقع. بعد دعمها السخي للجيش اللبناني، بادرت السعودية بتقديم 100 مليون دولار للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب، لدعم جهوده الموجهة لمكافحة المنظمات الإرهابية في المنطقة.

السفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأستاذ عادل الجبير، أكد على أن السعودية «في مقدمة الدول في مجال مكافحة الإرهاب»، وأن الأمم المتحدة قادرة على لعب دور فعال لحشد الدعم الدولي في مواجهة الإرهاب.

أعتقد أن جهود الأمم المتحدة، برغم أهميتها ما زالت محدودة، وهذا لا يتعارض البتة مع الجهود الداعمة لها، فهي المرجعية الدولية التي لا يمكن التخلي عنها، أو تجاهلها، خاصة وأنها الجهة الوحيدة القادرة على تقييم الدول وتصنيفها في منظومة مكافحة الإرهاب الدولي.

إلا أن الدعم الرسمي للمنظمات الدولية، والجيوش العربية، يجب أن لا ينسينا خيارات الدعم الأخرى القادرة على بناء مجتمعات دولية موالية وقادرة على صد الإرهاب من الداخل.

قد تتعقد الجهود الدولية أو تتأخر، وقد تتعارض المصالح في حكومات بعض الدول، ما يتسبب في إساءة استغلال أموال الدعم، أو إفشال خططها، وهو أمر يمكن ملاحظته، ما يجعل أمر الاهتمام بتقوية المجتمعات والشعوب مقدما على ما سواه من الناحية الإستراتيجية.

احتواء المجتمعات وتحصينها، حماية لها، ولمحيطها الجغرافي وللمنطقة، قد يحقق الأهداف الأمنية الإستراتيجية بكفاءة عالية. هناك من يستغل المجتمعات لتشكيل خلايا إرهابية نائمة ونشطة، كما فعلت إيران في لبنان واليمن والبحرين والكويت وبعض دول الخليج الأخرى، وهناك من يستغل الحكومات لتنفيذ أجندات مضرة بدولها وداعمة للدول المُسيطرة، كما فعلت سوريا وإيران بلبنان، وسيطرة إيران على مصير سوريا والعراق.

يفترض أن تكون الشعوب خط الحماية الرئيس، لا أن تتحول إلى أدوات هدم تتحكم بها الدول والاستخبارات الأجنبية. قد يتسبب الفقر، والجهل، والتبعية العقدية في تحويل بعض المجتمعات إلى لقمة سائغة في أيدي الاستخبارات المعادية، ما يسهل من عملية السيطرة عليها من الداخل دون الحاجة للتدخل العسكري.

ومن هنا تظهر أهمية التنمية الاقتصادية والمجتمعية والفكرية في حماية الشعوب العربية من المخططات الصهيوأميركية الصفوية القذرة، وأهمية دعم المجتمعات من الداخل، ومساعدتها على حماية نفسها وبالتالي حماية المنطقة من المخاطر المتوقعة.

انخراط إيران والاستخبارات الغربية وبعض الأجهزة (العربية) في تشكيل خلايا الإرهاب وتوفير الدعم المالي واللوجستي لها، يجب أن يقابله عمل مضاد وفق الآلية نفسها، مع اختلاف النوايا والأهداف. فدعم الخلايا الأمنية في الدول المستهدفة تهدف إلى مساعدة المجتمعات على حماية نفسها من الداخل، وأن تكون قادرة على مواجهة تهديد جماعات الإرهاب من الداخل قبل تمددها، وأن تسهم في تحقيق السلم المجتمعي، والاستقرار الوطني والمحافظة على وحدة الدولة وكيانها السياسي.

الاعتماد الكلي على الجهود الرسمية، ذات العلاقة بالمنظمات الدولية والحكومات، قد لا يحقق هدف الحماية الإستراتيجية للدول العربية والمنطقة، لأسباب مرتبطة بالسيطرة الصهيو أميركية على المنظمات الدولية، والسيطرة الصفوية على بعض الحكومات العربية التي تعتبر أحد معوقات مكافحة الإرهاب الرئيسة.

في العراق، نجحت العشائر في طرد تنظيم القاعدة إبان ولاية المالكي الأولى، في الوقت الذي عجز فيه الجيش العراقي النظامي عن تحقيق الهدف. وفي اليمن، نجحت القبائل اليمنية في تحصين خط الحدود بين السعودية واليمن، ردحا من زمن، حتى ظهور الحوثي المفاجئ، الذي ارتبط بتفكك القبائل وضعفها وتغلغل إيران بينها، وشراء بعض قادتها. دعم العشائر العربية في دول النزاع ستقلب الطاولة على رؤوس المنظمات والدول الراغبة في تحويل المنطقة العربية إلى مستنقع للحروب والدمار. وستتحول المجتمعات المستهدفة إلى جدار حماية لا يمكن اختراقه مهما كانت الوسائل.

الأمر نفسه ينطبق على العشائر العربية في إيران، والتي يفترض أن تكون من وسائل المواجهة المكشوفة معها. إستراتيجية الخلايا الأمنية، يمكن تطبيقها على الداخل أيضا من خلال تشكيل الجماعات الأمنية للأزمات المفاجئة.

دعم المجتمعات والشعوب، وتحصينها قد يكون أكثر كفاءة من دعم الحكومات، فمتى نتنبه إلى هذا الجانب الإستراتيجي المهم؟!.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب