02-09-2014

حديث فتح روما

سألني يريد إحراجي: ألا تؤمن أننا سنفتح روما يوماً ما، كما بشَّر بذلك الحديث النبوي (صحيح السند) المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؟.. قلت في العصر الحاضر، وفي ظل تخلّف المسلمين الحضاري، ليس لا أعتقد ذلك فحسب، وإنما أجزم بعدم حدوثه، بل ليس لدي أدنى شك، أن ذلك ضرب من ضروب المستحيل. أما المستقبل فعلمه عند الله وليس عندي.

قال: إذاً أنت لا تؤمن بالأحاديث؟.. قلت الحديث الذي يتحدى نواميس الكون، ويخالف سننه وقوانينه ويتجاوز قوله جلَّ شأنه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وينتظر أن يأتيه المدد والعون من السماء، فهو لدي حديث لا يمكن قبوله، حتى وإن صحح سنده كل علماء الحديث قاطبة، وليس واحداً أو اثنين منهم.

أن تعتقد أنك ومجموعة من (الدراويش)، ستتحدون العالم كله، ونواميس الكون، وتحققون المعجزات بونيتات (داتسون) ذات الدفع الرباعي وتفتحون (روما) وتأسلمونها بالقوة، في عصر القنابل الذرية، والمركبات التي تتجول بين الكواكب، وتفكر في استيطان المريخ، فأنتم لا تختلفون عن أولئك الرهط المخبولين، الذين احتلوا الحرم ذات صباح، لأن واحداً منهم كانوا يظنون أنه (المهدي) الذي جاءت الأحاديث، التي يقولون إنها صحيحة السند، تُبشِّر به، ومنها أنه أشج، وأن اسمه كاسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أب الرسول، وطالبوا الناس حينها ببيعته على اعتبار أنه المهدي الذي ينتظرون. فقُتل من قتل منهم، وبعضهم قبض عليه ونفذت الحكومة فيه شرعاً الإعدام علناً، وآخرون سجنوا مدداً متفاوتة، وانتهت الفتنة،. لكن هذه الأحاديث أُجلت إلى ما بعد، لتبقى بمثابة القنابل الموقوتة المدفونة في كتب الأحاديث، وسيأتي يوماً من يثيرها ثانية.، وهكذا دواليك.

جماعة المهدي آنذاك كانوا مقتنعين أن الشاب الذي بينهم كان (المهدي) فعلاً، وإن الرؤى، أو هي الأحلام الليلية، التي يرونها أثناء نومهم، كانت مؤشراً من مؤشرات التبشير به، وأن جيشاً من الشمال سيأتي ليحاربه بعد بيعته، فيخسف الله بهذا الجيش، كما هو (سيناريو) حديث صححه بعضهم، فكان كل من قبض عليهم في أقبية الحرم من جماعة المهدي بعد انقضاء الفتنة يسأل القابض عليه: أسألك بالله ألم يُخسف بالجيش الذي جاء من الشمال لمحاربتنا كما نص الحديث الصحيح؟ وكل من عاصر تلك الحقبة - وكاتب هذه السطور واحد منهم - يتذكَّر تداول الناس لهذه الأحاديث في مجالسهم، وكيف أنها استعبدت تفكيرهم، واستحوذت حتى على أحلامهم وهم نائمون، فاعتقدوا جازمين أن (الشاب الأشج) الذي كان بينهم هو المهدي، وأن مناصرته، مناصرة للدين.

أحاديث التبشير بدولة الخلافة، وفتح روما، التي يستدل بها (الداعشيون) اليوم في خطبهم، هي تماماً كما هي أحاديث المهدي، التي كانت سبباً لفتنة دموية، وصلت حتى بيت الله الحرام، فمنعت عنه الطائفين والعاكفين والركع السجود؛ ومثلما انتقلت تلك الفتنة من الواقع إلى كتب التاريخ، ستنتهي حتماً فتنة دولة الخلافة وخليفة داعش، وكذلك خليفة (بوكو حرام) ودولة خلافته في نيجيريا، إلى كتب التاريخ أيضاً؛ فالتاريخ الذي يظنون أنه (قد) يعيد نفسه، ويجلس البعض القرفصاء خاملين، أو يثنون ركبهم، أمام مشايخهم ليُمنيهم أنه قد يُعيد نفسه، فيلتحقون بركابه، سينتهون، كما انتهى (ربع المهدي) إلى الفشل الذريع.

ومرة أخرى أقول: لن يفلح قوم أرقابهم تتجه إلى الماضي، عسى ولعل أن يعود، ويتركون التفكير في المستقبل، كما فعل ويفعل من يمتطون اليوم عرباتهم، ويمتشقون أسلحتهم، في جهادهم المزعوم؛ فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء لو كنتم تعقلون.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب