26-09-2014

ويلات داعش وأخواتها!

كما في قواعد لغتنا العربية التي كرّمها المولى جلّت قدرته بكونها لغة آخر كتبه ورسالاته للبشرية جمعاء، هناك إنّ وأخوتها التي تنصب الاسم وترفع الخبر، وكان وأخواتها التي تفعل العكس برفع المبتدأ ونصب الخبر، وبنقيض علم قواعد اللغة العربية التي أخرجت للعالم إبداعات في كل صنوف المعرفة،

ابتليت الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية بحركات إرهابية متطرّفة شوّهت صورة الدين الإسلامي الحنيف، حركات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأخواتها في الإرهاب والإقصاء والتكفير والفكر الأعمى والمتمثل في حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ولواء أبو الفضل العباس العراقي. ولم تكن هذه التنظيمات جديدة على العالم العربي، فقد سبقتها تنظيمات تتبع أيدلوجية إرهاب المجتمعات وتكفيرها عبر العصور، بدءاً بالخوارج والقرامطة والحشاشين، مروراً بتنظيم التكفير والهجرة الذي كفّر المجتمع في مصر في حقبة السبعينات من القرن المنصرم، وانتهاءً بتنظيم القاعدة وفروعه في جزيرة العرب والمغرب الإسلامي.

لعل القاسم المشترك بين كل هذه التنظيمات بأنها جميعاً تتدثر بلباس الدين وتستغله أبشع استغلال، ويستخدمون الإسلام من أجل تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وهو بريء منهم، براءة لا غبار عليها لكل من أوتى عقل وفكر يتدبر. الفكر هو نفس فكر الخوارج، كلمات حق في ظاهرها وفي مضمونها باطل بين لمن يتدبر، رفع الخوارج نسخاً من القرآن الكريم على أسنة الرماح خلال الفتنة التي وقعت بين المسلمين أبان خلافة الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وخوارج اليوم يسيرون على نفس النهج وبتغير فقط في التكتيكات. داعش ترفع راية المسلمين الأولى وتذهب قدماً في إعلان الخلافة، مستغلة ما يتعرض له السنّة من تهميش وتنكيل نالهم في سوريا من قِبل نظام الأسد الفاشي، وإقصاء وطائفية من قِبل المالكي في العراق. وكانت نتيجة أفعالهم الإجرامية تقويضاً خطيراً لتقدم الجيش الحر على الأرض، وتسببت في فظائع مشينة ومرعبة ضد أهل العراق، بما ذلك الأقليات من مسيحيين ويزديين وصابئة والذين عاشوا بسلام على مر العصور في بلاد الرافدين، وابتدعت جُرماً لا يقره دين ولا عقل يتمثل في ذبح الناس كالخراف وتصوير ذلك ونشره، مما عرّض صورة الإسلام والمسلمين إلى تشويه لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث. وزادت الأمر تشويهاً بأن ذبحت حتى الصحفيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع الدائر في العراق، ذنبهم الوحيد أنهم يحملون جنسيات دول يبغضها التنظيم، ولم ترق قلوبهم المريضة إلى توسُّلات ضحاياهم وأهلهم، وكلنا يذكر الأم الأمريكية المكلومة التي توسّلت لهم بأعز من يجلّه المسلمون من البشر سيد الخلق وأفضل المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام، بأن يطلقوا سراح ابنها الذي كان ذنبه الوحيد كونه صحفياً، رماه حظه العاثر لتغطية أحداث العراق، وكان ردهم لكل هذه التوسلات من الأم بذبح ابنها ذبح الشاة والتفاخر بذلك ونشرة على مواقع الإنترنت.

استغلال الدِّين يظهر كذلك جلياً في أيدلوجية حزب الله اللبناني والذي يتخذ من آية من آيات القرآن الكريم شعاراً له {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، هذا الحزب الذي يدّعي بأنه حزب الله، يُقحم نفسه في الصراع السوري بجانب طاغية دمشق الذي دمر سوريا ليبقي على رأس الحكم فيها رافعاً شعار «أنا ومن بعدي الطوفان». تدخُل مليشيات حزب الله في الصراع السوري قوّضت هي الأخرى تقدم الجيش الحر على العديد من المحاور، الذي أصبح بين طرفي كماشة تنقض عليه، داعش من جهة وحزب الله من الأخرى، بالإضافة لجيش الأسد. ومع هذا ما انفك قادة الحزب يصرحون بأنهم حزب لبناني وطني همه الأول والأخير مصلحة لبنان، ولكن الواقع المشاهد لا المخفي يؤكد بأنّ تدخُّل الحزب في سوريا قوّض الأمن السلمي للدولة اللبنانية الهشة أصلاً، والتي لم يستطيع برلمانها وبعد جلسات ماراثونية ما زالت مستمرة انتخاب رئيس جديد للدولة، ويلعب حزب الله الدور الرئيس في إفشال التصويت على انتخاب رئيس لبناني جديد، بالإضافة إلى جعله لبنان يعيش في دوامة مجهولة أضرت بشكل فادح باقتصاد البلاد.

في اليمن كذلك الحال ليس بأفضل مما يجري في لبنان من قِبل حزب الله الذي أصبح دولة في داخل دولة، ليستنسخ الحوثيون تجربة الحزب في اليمن ويطلقوا على مليشياتهم مسمّى ذا طابع ديني وهو أنصار الله بشعار من كتاب الله الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}، ولينطلقوا في مخطط يهدف إلى جر اليمن لحرب أهلية لن تبقي ولن تذر، وهو الواقع تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز التدخل العسكري في الشأن اليمني في حال انسداد أفق التوافق الوطني. وجاءت المبادرة الخليجية المدعومة دولياً كحزام أمان لانتشال اليمن من شبح نشوب الحرب الأهلية، ولكن الحوثيين يتضح أنهم ماضون في التصعيد حتى النهاية ووجدوا ضالتهم في المشاكل الاقتصادية التي يمر بها اليمن. وتشير العديد من التقارير إلى أنّ لهم مليشيات تحارب مع جيش الأسد منذ الأيام الأولى من انطلاق الثورة السورية.

لواء «أبو الفضل العباس» المكوّن من عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله في العراق، يستخدم اسماً ذا مغزى ديني وهو العباس بن علي بن أبي طالب، الذي استشهد مع الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في معركة كربلاء، وكان الهدف الرئيس من إنشائه في عام 2012 هو مساعدة نظام الأسد في حربه ضد الثوار، وارتكب فظاعات ضدهم، وليرتكب مجازر رهيبة بحق السنّة في العراق لم تسلم منها حتى بيوت الله وفي وقت صلاة الجمع.

القاسم المشترك بين كل التنظيمات الشيعية الآنفة الذِّكر، أنها تدور حول الفلك الإيراني وتنفذ أجندته، مما جعل المنطقة العربية تعيش توتراً لا نهاية له، بحجج أنها تدافع عن ما يسمّى بجناح الصمود والممانعة في العالم العربي. ولقد صرح قبل أيام أحد القادة الإيرانيين بأنّ إيران لن تترك أي جهد من أجل تحرير القدس، وهي التي لم تطلق ولو رصاصة واحدة ضد إسرائيل، وبأنّ سياستها العدوانية كانت وما زالت نتيجتها سفك الدم العربي، أينما حلّت ووجدت لها موطئ قدم.

جاء اجتماع جدة لمواجهة داعش، ولو أنه تأخر عشر سنوات، نتيجة طبيعية لما حذرت منه المملكة في كلمة خادم الجرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في كلمته السامية للمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي عقد في الرياض من 25 إلى 28 ذي الحجة 1425هـ، الموافق للفترة بين 5 إلى 8 فبراير 2005م، وكان حينها ولياً للعهد، وقال مخاطباً المؤتمر الذي حضرته أكثر من 50 دولة «أيها الإخوة والأصدقاء إنّ انعقاد هذا المؤتمر الذي يضم دولاً تنتمي إلى حضارات مختلفة وأنظمة مختلفة، لهو البرهان الأكيد على أنّ الإرهاب عندما يختار ضحاياه، لا يفرق بين الحضارات أو الديانات، أو الأنظمة، والسبب هو أنّ الإرهاب لا ينتمي إلى دين، ولا يعرف نظاماً، إنّ الإرهاب شبكة إجرامية عالمية صنعتها عقول شريرة، مملوءة بالحقد على الإنسانية ومشحونة بالرغبة العمياء للقتل والتدمير». وبعد المؤتمر ساهمت المملكة مساهمة أساسية وفاعله في جهود تأسيس المركز الدولي لمكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة ودعمته بسخاء، انطلاقاً من معرفة قيادتها بأنّ مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تعاون دولي للقضاء عليه، الجهد الدولي سواءً على المستوى العسكري أو الفكري أو التشريعي أصبح مطلباً ملحاً لمواجهة الإرهاب، السرطان الفكري للقرن الواحد والعشرين.

Alfal1@ hotmail.com

باحث اعلامي

مقالات أخرى للكاتب