Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 
صورة المرأة في الأدب السعودي «4»
المرأة والخطيئة: في رواية فسوق - نموذج أول
سهام القحطاني

 

 

(المرأة ترى لها نفس الحق في ارتكاب ما يمارسه الرجل لأنها تحمل نفس ميوله.)

حمزة شحاتة

إن المرأة أشجع في مواجهة نتيجة خطيئتها من الرجل، وأجرأ في تكرار ذات الخطيئة، هذا ما لم يستوعبه محسن الوهيب (أراد بتكرار الاسم استرجاع حبيبته، من موت مضى بها بعيداً، فسمى ابنته بها، ليعود اسم جليلة دلاً على الرذيلة) -ص26-(فلم يعد قادراً على البكاء المرتوي، كما فعل مع جليلة العشيقة، وهروب جليلة الابنة جليلة العشيقة بدأت حكاية وانتهت شجرة، وجليلة الابنة بدأت حكاية وانتهت قبراً!! وتحت كل شجرة حكاية وداخل كل قبر حكاية، جليلة امرأتان لذات الحكاية، وأخريات لأسماء مختلفة أومتشابهة أومتطابقة لذات الحكاية، فالحب قدر والخطيئة اختيار تجعل المرأة تترك فراش أهلها أو زوجها لتفرّ مع من تحبه أوتتوهم بأنها تحبه، ف(المرأة متى ما استطاعت أن تفعل كل شيء أمامك، لن تحتاج إلى الاختباء.. ويبدو أن هروبهن وخيانتهن، مرده لسجن أسري يطبق عليهن، ولا يفتح أبوابه مطلقاً...) ص 104،103-ومن محسن الوهيب إلى جليلة الابنة ومحمود الوبل وشفيق، جزء آخر وليس أخيراً من الحكاية، امرأتان وثلاثة رجال، وخلف الرجال الثلاثة آخرون من الرجال، مزدوجة متناقضة لفرضيتين تبدأ بجليلة وتنتهي بشفيق، وبينهما تمتدّ احتمالات هائلة، تنتهي بغرفة مظلمة يختبئ فيها شفيق وجليلة داخل مقبرة، فالموت لا يغير مضمون فكرة الاختباء والخطيئة ولا الرغبة والاستمتاع، لذلك يظل اليقين حول الحكايات كشاهد على الفعل الاجتماعي للإنسان نسبياً، لأن كل منّا سيجد نفسه (يقف في الصف الخطأ) - 195-للآخر، ( أن الآخر هو الذي يمتلك اليقين في حكمه، ليس لأنه يقين، بل لأن الحكم نابع منه، ولو حكمنا، سنكون ممتلكين اليقين نفسه من الآخر، ولن نتردد في القول: إنه على خطأ.. أحكامنا ليس شرطاً أن تكون صائبة، الشرط من أين ينطلق الحكم) -ص195- شفيق يمتلك اليقين لو نظرنا أنه مصدر للحكاية، كما أنه يقف في الصف الخطأ لو كان مستقبل الحكاية،كل واحد منا وفق ذلك المنظور يمثل دائماً دورين القاتل والضحية، فنحن نحتاج إلى تحريك زاوية الصورة ليختلف الحكم على أدوارنا، ولذا فجليلة ومحسن الوهيب ومحمود وشفيق، وحتى سلمى والدة جليلة التي تمثل نموذج الاختباء الكامل، هي أيضاً تحمل قابلية مشروع الفسوق، مشروع نستنتج ملامحه الباهتة من خلال البديل التعويضي التي تقدمه لابنتها من خلال نصيحتها لها لتحقيق متعها، بديل أيضا لا يخرج عن حاجة الجسد، لأنها تمثل وعي العوام بأن الحب رغبة وليس قيمة، وهكذا فالجميع بإمكانهم أن يمثلوا الدورين فقط بمجرد تحريك زاوية الشخصية، ألا يخرج عن دائرة الضحية كما كان سلوك جليلة الابنة ناتج السيكولوجية الاجتماعية للمجتمع السعودي مقنعاً في بعض جوانبه، تلك السيكولوجية التي تضعنا أمام مسلّمة أن العقل الجمعي للمجتمع هو الذي يدفع إلى الخطيئة وإلى الجريمة، فلو تجاوز محسن الوهيب الفكرة الاجتماعية السائدة في المجتمع السعودي بأن الفتاة السعودية لا تتزوج من غير قبيلتها، أو من غير جنسها، ما فكرت في الهروب مع الرجل الذي رفضه والدها لكونه غير سعودي، وهذه الإشكالية جزء صريح من الوعي الاجتماعي السعودي، في حين المجتمع السعودي يمنح الرجل حق الزواج من غير القبيلة ومن غير السعودية، وفي ذات الوقت يُحرّم على المرأة السعودية ذات الحقوق، وهذا ما يدفع الفتاة بعد الزواج ممن يختاره أهلها إلى الخيانة الزوجية، لعدم قناعتها في اختيار أهلها، أولأنانية الرجل السعودي في إشباع رغباته، وفي هذه الحالة فالمرأة عنده مجرد جسد ولا يهم إن كان ذلك الجسد حيّاً أوميّتاً! وهو ذات الجسد الذي يقترن به البرهان والشاهد والعار والخطيئة وكذلك العقاب في مفهومه التطهيري، فالزانية تجلد أو تُرمى بالحصى، عقاب يتعامل مع الجسد، لأنه مصدر المتعة ومصدر الغواية. وهو سبب يسوغ له العمل لتنفيذ الخيانة الزوجية، إن مفهوم المتعة المرتبط بجسد المرأة عند خالد وشفيق بطلا القصة ليس مفهوماً حصرياً عليهما، بل هو مفهوم يشمل اعتقاد الرجل السعودي، يعلله هذا العمل بفكرة الاختباء الذي يمارسه الحجاب- العزل (غياب الوجه غياب لحضور الشخصية، الحجاب نوع من القطع والعزل، وأظن أننا لا نعرف طبيعة المرأة، لأنها تخبئ وجهها، وبالتالي تحولت إلى كتلة لحم، همنا مضغها من غير الحاجة إلى معرفة قبولها أو رفضها مضغنا لها...يمنع الحجاب اجتثاث الروح، ومبادلتها حالة إنسانية خالصة، لذلك تحولنا كلنا إلى مصاصي دماء، نتشوق إلى امتصاص رحيق الجسد، من غير الحاجة إلى الروح)-130- إن فكرة الحجاب كمسوغ لتبرير خطيئة المرأة، ليست فكرة بالمجمل خاطئة، وليست هي أيضاً بالمجمل صحيحة، لكن الاعتراف بجودة هذا المسوغ من عدمه، أمر يحتاج إلى الكثير من الضوابط، فالفكرة ليست قائمة على العزل بقدر ما هي قائمة على الحرمان، والمرأة لدينا أكثر نفسياً للتعرض للحرمان العاطفي، وهذا ما يجعل فكرة أنها مشروع قابل للفسوق، فكرة رائجة في وعي الرجل لدينا الممثل الرسمي للعقل الجمعي للمجتمع.

* من دراسة (العقل السعودي في الميزان)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة