Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
فضاءات
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 

حكايات
العولمة والمتعولمون !!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

أول مرة سمعت فيها كلمة (العولمة) شعرت بالذعر والانقباض وخصوصاً أنها من ناحية الوزن والإيحاء تقترب من كلمات كثيرة مريبة مثل: الشيطنة، والقرصنة، والزعرنة، والغشمرة، وغيرها من الكلمات السوقية التي ترفض المجامع اللغوية العربية قبولها حتى الآن. لكن الجو حينذاك لم يسمح لي لا بمناقشة هذا المصطلح الغريب عليّ ولا حتى بالسؤال عنه؛ لأن الذي كان يتشدق بحماس عن العولمة قلبه وعقله ودمه غربي، مع أنه حين يلتئم مجلس القبائل العربية لا يقنع أبداً إلا بأن ينتهي بعدنان حسباً ونسباً.

وقلت في نفسي إن هذا المصطلح هو سحابة صيف سرعان ما ينقشع مثل باقي المصطلحات التي تهطل علينا كالمطر، وهي في الأصل غربية تجري ترجمتها إلى اللغة العربية بعبارات ركيكة وكلمات سخيفة بل ومضحكة أحياناً. ودهشت بعد أيام حين أطلعني أحد رجال الأعمال على دعوة موجهة إليه من الغرفة التجارية الصناعية لحضور ندوة عن العولمة! ثم تضاعفت دهشتي حين وجدت هذا المصطلح قد انتشر كالوباء على صفحات الجرائد والمجلات! وطار مصطلح العولمة إلى الرواشين والمكاتب والشوارع حتى تحدث به كل من هبّ ودبّ، حتى المتسولون عند إشارات المرور وباعة الرز!

وأخيرا جاءت الطامة الكبرى حين بدأ بعض المثقفين والمتحاورين في برامج القنوات الفضائية بالترويج للعولمة التي سيعمّ خيرها العالم، وسيعيش الناس في ظلها أحراراً، فلا يجوع أحد ولا يعرى أحد، بل إن الذئب سوف يرعى مع الغنم!! ولم تستمر مهزلة مصطلح العولمة والترويج للعولمة طويلاً، فإذا بالدول المتحضرة الغربية وخاصة بريطانيا وفرنسا ترفض العولمة وتقاومها وتعري أهدافها الإجرامية الخبيثة واللا إنسانية!

لقد كشف السياسيون والمثقفون والمفكرون ورجال الأعمال في الغرب عن العولمة ومراميها الحقيقية.. فماذا قالوا عنها؟

قالوا إن العولمة باختصار هي الأمركة، بمعنى أن أمريكا التي أصبحت القطب الوحيد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سوف تهيمن على العالم هيمنة كاملة مطلقة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وتطبع العالم بطابعها الخاص فيتحول العالم إلى دولة واحدة تحكمها أمريكا وتصبح الأمم والشعوب عبارة عن قطعان من الغنم، بلا إرادة، وبلا تاريخ، بلا قوة، بلا هوية، بلا ثقافة، وعليها أن تذوب داخل المحيط الأمريكي!

ففي ظل العولمة، سوف تصبح التجارة حرة بمعنى أن الشركات الصغرى سوف تنتهي تماماً وتدخل تحت جناح شركات عملاقة هي التي تتولى الإنتاج والتسويق، وتقودها أمريكا، وبمعنى أن تتحول الدول إلى مجتمعات ضعيفة! مستهلكة للمواد والبضائع التي تنتجها الشركات العملاقة التي تهيمن عليها أمريكا فيتم التحكم في حياة الدول والشعوب، حيث تزداد ضعفاً وجوعاً وفقراً.. ولنا أن نتخيل ما هو وضع مصنع أو تاجر رأسماله مائة ألف دولار يدخل شريكاً في مصنع أو شركة رأسمالها مليار دولار! هل يكون لهذا الشريك أي وجود في عالم الإنتاج أو المنافسة؟!

وعلى هذا فإن الدول التي ستدخل في بوتقة العولمة ستفقد كل ما تملك من مقومات، ولا يعود لها أي قوة أو هيبة أو هوية أو إرادة أو قرار، بل إنها ستفقد وجودها، وتصبح ملغاة من التاريخ كما الأمم البائدة!

وباختصار.. إن الهدف من نشر العولمة هو أن يصبح الإنسان في كل مكان في العالم ما عدا أمريكا مجرد إنسان ضائع تائه لا وطن له، ولا ثقافة خاصة، ولا لغة، ولا انتماء! إنه بتعبير مختصر سوف يصبح تابعاً! وسيكون كل همه في هذه الحياة هو أن يتنقل ويأكل!! كأي طير في الغابة الأمريكية الكبيرة!!

وإذا كانت الدول الأوروبية الصناعية القوية قد خشيت على نفسها من أن تدهسها الجرافة الأمريكية وتلغيها فما هو مصير الدول الفقيرة البائسة في إفريقيا على سبيل المثال إذا سقطت تحت ظل العولمة، وهي لا تنتج شيئا ولا تصنع شيئا يذكر وإنما تعيش في أقصى هامش الحياة؟!! إن الدول الفقيرة أولى ضحايا العولمة التي تعني الاحتكار، والاستعباد والتجويع وإلغاء هوية وتاريخ وثقافات الأمم والشعوب!

الرياض

إنها لمعركة!

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة