Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
فضاءات
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 

ثقافة التقويل والخرافة2-2
قاسم حول

 

 

عرضت إحدى القنوات الفضائية العراقية نقلاً لمعرض الكتاب في مدينة كربلاء المقدسة. وسأل المذيع أحد زائري المعرض عن رأيه بالكتاب في المعرض فقال الزائر: إن أسعار الكتب غالية قياساً بأسعار العام الماضي. وأضاف: إن الأسعار تكاد تكون نفسها ولكن سعر صرف الدولار مقابل التومان منخفض ولذلك يصبح سعر الكتاب مرتفعاً (والتومان هو العملة الإيرانية)!

الأزياء الشعبية هي الأخرى تغيرت فبعد أن كانت المرأة العراقية الشعبية تتزين بالعباءة وهي الأجمل، تلك العباءة التي ترنمت بها الأغاني العراقية والعربية دخلت البيوت اليوم أزياء جديدة مرعبة وصارت تظهر على شاشات التلفزة. أنا صورت فيلما عن أهوار العراق عام 1975 وكانت المرأة الشعبية تلبس الفوطة والعباءة وتذهب للعمل وسط غابات قصب الأهوار العراقية وتجذف المشحوف بنشاط متميز ويصبح جسمها رشيقا قويا وهي تعمل تحت وهج الشمس صيفا ووسط العواصف والأمطار أيام الشتاء، وتملأ الأهوار حيوية وغناء.. صورتهم الآن والأهوار خالية وليس ثمة سوى بضع عائلات المرأة فيها مختلفة الشكل والملابس.. ملابس لا علاقة لها لا بعباءة المرأة ولا بالفوطة. ملابس مثل ملابس الأفغان والفرس، حيث لم تعد المرأة التي تنتمي إلى الأقوام السومرية، وباتت الأهوار موحشة.

وكل هذا يتم تصديره عبر قنوات فضائية تحول الظاهرة إلى واقع وتغير هوية الشخصية العراقية.

يقف المثقف العراقي حائرا عاجزا عن الفعل وهو ينظر إلى وطنه من خارج وطنه. وطن يعبث فيه الفساد ويهجره أهله ويستوطن غرباء بدلهم. ظاهرة الاستيطان لا تعد بالعشرات ولا بالمئات بل بالملايين. هجر العراق بعد الاحتلال أربعة ملايين، وعندما تضع الكاميرا لتصور المدن تجد الشوارع لا تزال مكتظة بالسكان والبيوت غير مهجورة حيث تم شراؤها ودخلها قوم يتحدثون اللهجة العراقية بلكنة ليست عراقية.

نحن نريد أن نوجه نشاطنا الثقافي نحو الوطن وتأكيد ثقافتنا ورفض ثقافة الاستيطان الماضوية، ثقافة التقويل والخرافة.

ما يدعو نسبيا للاطمئنان أن الناس يدركون ما يجري داخل وطنهم وهم في حالة رفض ولكن ماكينة الإعلام تلعب دورها الخطير في عملية التصدير والاستيراد الثقافية. وإن عامل الزمن لو تأخر فإنه قادر على محو الثقافة الأصيلة للوطن.

المثقفون العراقيون يتنادون الآن وهم في شتات الأرض على من يدعم موقفهم في تأسيس فضائية ثقافية توجه برامجها نحو العراق والمنطقة. لقد عملنا دراسة متكاملة لقناة فضائية عراقية ثقافية تبث من أوروبا وتلم شمل العراقيين لينشروا ثقافة الوطن وثقافة الحضارة وثقافة العادات والتقاليد وثقافة الاقتصاد وثقافة الهندسة المعمارية التي تشكل بمجموعها هوية الوطن قبل أن تضيع وتحل محلها ثقافة ماضوية سوداء ليست من العراق بل هي ثقافة استيطانية وخطيرة تحول المجتمع إلى مجتمع قطيعي غير قادر على تحديد الموقف مما يجري في وطنه، بسبب تدني المستوى الجمالي للشخصية العراقية. فالعراق الآن بحاجة إلى إعادة الاعتبار لثقافته ولتاريخه التي ألغت الدكتاتورية جانبا منه ضمن نظرية ما يسمى علم الجمال البعثي، واستكمل الاحتلال سواء بغبائه أو بقصديته - لا أحد يستطيع التكهن - إنجاز حالة من الفوضى ساعدت على عملية التوغل والاستيطان التي تعمل على تغيير البنية الديموغرافية للسكان في جانب وترسيخ ثقافة التقويل والخرافة في عصر يتقدم فيه العلم كل لحظة.. وهذه الثقافة الآتية من وراء الحدود تبث عبر أهم وسيلة معاصرة وتقنية مدهشة هي تقنية القنوات الفضائية والأقمار الاصطناعية، تبث من خلال هذه الوسيلة الحضارية والعلمية ثقافة ماضوية لا يقبلها العقل ولا يستوعبها المنطق. ومعروف مدى قوة تأثير الصورة على المتلقي على المستويين السيكولوجي والفيزيائي. وفي هذا تكمن الخطورة.

إن مشروعنا في أن نفتح نافذة (فضائية - ثقافية) على الوطن من بيوت الغربة يتحدث من خلالها مبدعو العراق، ضمن برامج متقنة الصنعة ومنتجة بقيم فكرية وجمالية فنية تستطيع أن ترتقي بعقلية المتلقي إلى وعي الحالة وتسخف بالضرورة ثقافة التقويل والخرافة لتحل محلها ملحمة كلكامش وحكايات ألف ليلة وليلة وأغاني الأهوار وحكايات المضيف وعاداتنا وتقاليدنا قبل أن تحل محلها عادات وتقاليد لا تنتمي إلى الوطن ولا تشكل ملامح هويته.. هوية العراق وهوية أهل العراق، وبالتأكيد فإن أهلنا في العراق سيلتفون حول مشروعهم ويرفدونه بالمحبة والمتابعة ونعيد لهم من خلاله الثقة بالنفس ورفض ثقافة الاستيطان المرعبة.. ونحن بحاجة إلى من يدعم هذا الحلم المشروع ليسهم معنا في عملية وطنية تاريخية. نطلب الدعم من الجيران؛ لأن بيوتهم ملاصقة لبيتنا العراقي وإذا ما تهدم جدار بيتنا فإن بيت الجار يتصدع بالضرورة.

فمن يقف معنا ؟!

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

sununu@wanadoo.nl - هولندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة