Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
حوار
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 

متهماً ماركيز بسوء التعامل مع قدسية الرمز الديني
الحجي: يعيش الكاتب العربي صعوبة في التعامل مع العقلية الأسطورية

 

 

حوار - محمد عبدالله الهويمل

صدر عن دار فراديس المجموعة القصصية الأولى للكاتب هاني الحجي تحت اسم (ليلة خروج المنتظر) وانتظم فيها 18 قصة منها: (مجنون في دائرة)، (محاكمة الأحلام)،(مناجاة الأمومة)،(مدن جائعة تفترس أقمارها)، (الأبواب).

(الثقافية) التقت هاني الحجي وحاورته بشأن الرمزية العارية في الغلاف والنفس الروائي وإعادة إنتاج الرمز الروائي والخلفيات المبطنة للاحتفاء بالمكان ومدى التزامه بالوقار والشرط المؤسس للقصة القصيرة.

* (ليلة خروج المنتظر) عنوان تفسره صورة ذات رمزية عارية مكشوفة.. لماذا لم يعمد هاني إلى غلاف جدلي تقبله المرحلة والأدبيات الحداثية؟

- ربما من باب كسر طوق المألوف أو الدارج على مسرح الساحة الأدبية والرغبة بتطوير أو تغيير اللون السائد وطرح ألوان أخرى أكثر إيغالاً في الرمزية التي اختلف معك في كونها عارية أو مكشوفة.

فهناك أبعاد وإسقاطات سياسية وتراثية ولغة تحكي انهيار تاريخ وقيام تاريخ جديد، واستشراف لمجريات المستقبل، كل ذلك يختصره رمز الراية البيضاء عالياً ودحر السيف أرضاً، ولذا لم تكن رمزية الغلاف عارية أو مكشوفة كما ذكرت في سؤالك ولم تكن كتاباً مفتوحاً أمام المتلقي إلا ربما بعد قراءة العبارة التي رافقت الغلاف الأخير (المنتظر لن يخرج شاهراً سيفه، سيخرج حاملاً ممحاةً وقلماً يمسح العثرات من تاريخنا ويعيد كتابة مستقبل أمتنا).

فالعبارة فسرت جزءاً بسيطاً من رمزية الغلاف أضف إلى ذلك أن ظروف العصر الراهن بمختلف أشكالها من سياسية واجتماعية وثقافية عملت على تحديث المصطلح التراثي وتوظيف الرؤية الجديدة لهذا المصطلح بفنية وبطريقة مغايرة تماماً عن الاستخدام القديم.

* ثم ما الغلاف الجدلي الذي تقبله المرحلة وترحب به الأدبيات الحديثة؟

- أهو مجرد غلاف يثير غرائز القارئ من أجل اجتذابه ذي إيحاءات جنسية كاستخدام صورة امرأة عارية كما كان في غلاف رواية (القران المقدس) لطيف الحلاج، ثم لماذا تستبعد إمكانية القراءة الجدلية للغلاف؟!

لقد حرصت في الغلاف على توجيهه في الدرجة الأولى إلى القارئ العادي والتعبير عما يدور في داخله من هموم وقضايا تاريخية وإنسانية، فهل يجب علينا أن نعيش في أبراج عالية ونخاطب الطبقات النخبوية لنرضي ذوق النقاد والطبقة الارستقراطية من المثقفين!! لقد وضعت في الحسبان مخاطبة مشاعر القارئ العادي والتطرق لهمومه وما يشغل تفكيره بطريقة فنية - كما أراها - ولم يكن القصد من ذلك النزول إلى مستوى الأدلجة الشعبية بقدر ما هو محاولة لتفكيك الأدلجة، وليس من العدل تهميش الطبقة العادية من القراء لصالح الطبقة المثقفة من نقاد وكتّاب بل هي محاولة للمزج بين الطبقتين.

* (نزوة بحر تناجي شهوة صحراء) قصة ذات نفس روائي...هل ثمة قلق جمالي جعلك تفقد السيطرة على الخريطة القصصية؟

- قد تستوعب فكرة (نزوة بحر) أحداثاً روائية لكنني استطعت - كما أعتقد - إحكام السيطرة عليها والتحكم بها حتى استطاعت فنيات القصة القصيرة استيعابها، والجنس الأدبي عموماً هو الذي يفرض نفسه على قلم الكاتب أثناء وعي الكتابة ولا وعيها فتخرج المادة الإبداعية تلقائياً في شكل أدبي معين، وليس كما تعتقد من أن الكاتب قبل أن يقدم على مشروع كتابة يعمل على اختيار ما يشاء من بين الأجناس الأدبية ليكون وعاء يقولب لغته الإبداعية، المهم في الأمر أن يتحول العصف الذهني والتدفق الفكري إلى نص أدبي أياً كان جنسه، وكثيرون رفضوا وضع حدود وامارات بين مختلف الأجناس الأدبية ونادوا بالنص أو بالخطاب دون قولبة، فالمسألة ليست اختيار نوع قماش من سوق الألبسة ليواكب الموضة.

وفي قصة نزوة بحر صورة مصغرة لحلم يداعب مخيلتي بكتابة ملحمة روائية وطنية، ومشروع ضخم كهذا بحاجة لعمل لجهد مؤسساتي مشترك لإنتاج عمل روائي بهذا الحجم والضخامة فتوحيد الملك عبدالعزيز للمملكة بمختلف مناطقها وعاداتها وتقاليدها بحاجة إلى تخليده في عمل أدبي تاريخي اجتماعي أدبي ترويه للأجيال وعمل كهذا سيكون مشتركاً لمجموعة من الكتاب وليس فردياً.

* تزخر نصوصك بالرموز التراثية والدينية... هل بات استحضار الرمز التراثي عيباً ونمطاً، وكيف يمكن إعادة إنتاجه جمالياً؟

- استغرب أخي محمد لمثل هذا الرأي، لأن استحضار الرموز التراثية وتوظيفها في النصوص يُحسب من نقاط القوة وليس من العيب لدى الكاتب.

وكأنما السؤال جاء مقلوباً لأن قدرة الكاتب على استحضار الرمز التراثي وإسقاطه على المجريات والأحداث بطريقة فنية وحسن توظيفه لخدمة النص حتماً من النقاط المضيئة التي تُحسب للكاتب لا عليه، ولا يزال التراث يزخر بالعديد من الرموز التي تشكل منطقة بكراً من حيث توظيفها في الفنون القصصية والروائية في الأدب العربي.

ولا يمكن إعادة إنتاج الرمز التراثي والديني إلا بحسن توظيفه حتى يخدم فنية النص وقد يحتاج القاص والروائي لاحترافية تمكنه من تحقيق هذه المعادلة الصعبة - توظيف الرمز التراثي والديني مع عدم المساس بقدسيته الأسطورية، فعلى سبيل المثال رواية (الإغواء الأخير للمسيح) لماركيز أحدثت ردة فعل غربية رافضة وغاضبة وجوبهت بعدم القبول لأنه لم يحسن التعامل مع قدسية الرمز الديني (المسيح) لأن الرمزية الدينية لاتزال محكومة في عرف الشعوب بذهنية الأسطورة، ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال التلاعب بالأسطورة في التراث الديني، ولا يوجد كاتب امتلك الجرأة إلى الآن لما سيترتب على ذلك من حدوث حالة صدامية مع الجمهور لعدم فهم هذا التوظيف أو قبوله.

وربما يعيش الكاتب العربي صعوبة لا يعيشها الآخر الغربي في تعامله مع العقلية الأسطورية التي قامت بصنع هذه الرموز ولاتزال قضية الأسطورة والرمز وتفكيك الأساطير من الموضوعات التي لم تأخذ حقها حتى الآن في الرواية والقصة العربية.

* (مجنون في دائرة)، (شارع المعارض)، (طريق خريص)، (دوائر لا تتداخل) ما الخلفية التحريضية لاحتفائك بالمكان؟

- المكان هو المحيط الذي يعمل على تأصيل الحدث وتأطيره، وهو من القواعد الأساسية في البناء الفني للقصة والرواية، وقد يتجاهله القاص أو يغفله أما القاعدة العريضة فيه الاحتفاء بالمكان ولذا فليس ثمة خلفية تحريضية، فالمكان قد يصبح داخل النص هو ذات المؤلف ومن الطبيعي أن يتلبسه الكاتب أحياناً، فالمكان قد يتحول إلى بطل، وقد حرصت في المجموعة على تنويع الطرح فيما يخص شخصية البطل فقد يتحول البطل إلى فكرة مجردة أو يكون المكان بذاته بطلاً، وقد كانت - كما أرى - أن هناك حرفنة في مزج الزمان بالمكان بذاته في (دوائر لا تتداخل) و(مجنون في دائرة) حيث أصبحت الدائرة رمزاً للفكر السياسي لجيل بأكمله، وكانت الدائرة هي المكان الذي حصر هذا الفكر، أما (شارع المعارض) و(طريق خريص) فلا أنفي تلبسي بهما تلبس المبدع المكان، وحضورهما في خريطة الذهن، وربما الحدث هو الذي خلد المكان في إطار الذاكرة ووهبه بعض التميز.

* (فلسفة السرير) (فلسفة البصاق)..ألا توافقني بأن انتصاب عبارة فلسفة كعنوان قصة يشي بالمقالية ولاسيما أن المحتوى توجيهي تأملي أكثر من قصصي؟

- أرى بوناً شاسعاً بين مصطلح (فلسفة) التي تشي بالتعمق والتفكيك وإيغال التفكير والتمنطق، و(المقال) الذي يوحي باستنطاق الأسباب والعلل والوصول إلى النتيجة والأسلوب التقريري الذي ينتهجه كاتب المقال، فكأنما(الفلسفة) و(المقال) يقعان على طرفي نقيض، والحقيقة أن كلمة (فلسفة) تنفي عن النص سمة (المقالية) ولا تشبهه، أما(فلسفة السرير) فلم تكن تأملية أو توجيهية بقدر ما كانت قصة تحكي فلسفة وتصورات متفاوتة لجيلين من حضارتين مختلفتين، فللفارسية أحلام تختلف عن أحلام عشيقها العربي، فلا يوجد في (فلسفة السرير) مقال سياسي ولا وعظي لكنها قصة تصل إلى نتيجة فلسفية وقناعة لجيل بأكمله اختزلها العنوان.

أما(فلسفة البصاق) فقد اتخذت شكل القصة الصحافية وليس المقال الصحفي، وهنا ليس موضع شرح الفرق بين القصة الصحفية والمقال الصحفي، ولكن جاءت القصة الصحافية كنوعٍ من التعدد في قوالب القصة التي اشتملت عليها المجموعة، وأعتقد أن القصة الصحفية فن راقٍ له شروطه وأدواته ولم يأخذ حيزه إلى الآن في الكتابة، وقد مزجت في هذه القصة بين الجانب الصحفي والإبداع الأدبي.

* (حزن الأبواب) قصة على شكل رسالة.. ما مقومات الرسالة فنياً لتدرج في مجموعة قصصية؟

- سنعود إلى تفجير قضية إلغاء الفوارق والحدود والامارات بين الأجناس الأدبية والمناداة بمبدأ النص وتفريغ المادة الإبداعية في شكل أياً كان هذا الشكل، فقضية أخرى جديرة بالذكر وهي التداخل ما بين الأجناس الأدبية والتمازج، فقد يتأرجح نص ما بين القصة وامارات قصيدة النثر وهكذا..

فكما ترى قد يتأرجح نص (حزن الأبواب) ما بين القصة وقصيدة النثر - كما تراه - مع أن رؤيتي مغايرة تماماً فكما أعتقد أن النص أقرب إلى المونولوج الداخلي منه إلى الرسالة.

* أنت في مجموعتك متحرر من الوقار والشرط المؤسساتي للقصة حيث تشعرنا قصصك بتلاوة ما كان أي أنك تقص ولا تكتب قصة... هل هذا فتح لنمط ما بعد حداثي حيث تهشم الشروط والعمل بتلقائية دون وصاية؟

- تستند مجموعتي إلى أفكار - كما أعتقد - تفوق حجم وشروط القصة ولا تستوعبها سوى الرواية، فكل قصة يمكن أن تكون فكرتها رواية، وقد حاولت إخضاع الفكرة لشروط القصة فنياً إيماناً بأن القصة لا تجاري مبدأ الفن للفن فمن الممكن أن يعبّر الشاعرعن ذاته ولكن لا يمكن أن يعبّر القاص عن ذاته من خلال القصة بل يجب في رأيي أن تستند القصة إلى خلفية تاريخية أو سياسية أو دينية لذا يكون فيها حدث كبير، وقد حاولت استخدام أدوات فنية لقولبتها في شكل قصة قصة قصيرة وعدم كتابتها بشكل روائي وأرى أني ملتزم في نصوصي بجوهر الوقار والشرط المؤسساتي ومتحرر من حرفية الوقار والشرط.

ومن يتعمق في قراءة النصوص يجد أنها من أكثر النصوص تمسكاً بالوقار والشرط المؤسساتي.

أما أن تكون قصصي فتحاً لنمط ما بعد حداثي - كما تقول - فهذا ما يحدده النقاد وليس القاص نفسه، وقضية تجاوز شروط القصة وعدم الخضوع لوصاية شروطها تأتي في إطار تمرد الفكرة داخل النص، فأنا لا أحبذ أن تؤطرني القيود التقليدية وتمرد قصصي يشبه تمرد قصيدة النثر على قيود التفعيلة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة