Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
مداخلات
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 
لعبة (أمير الشعراء)

 

 

وأقفلت ستارة مسرح (شاطئ الراحة) بعد ضجيج دام أكثر من تسعة أسابيع، رأينا فيه وجوها شعرية جديدة وطئت أرض الإمارات، لتجد هناك يدا تصفق لها بحرارة.. مسابقة (أمير الشعراء)، بعنوانها البرّاق، الذي أتى (خلعة) سنية تهبها أبو ظبي إلى من تراه مستحقا، وتزعج تبعا لذلك أمير الشعراء الشهير أحمد شوقي في كرسيه يوم تُوج الإكليل في محفل أدبي بهيج ومن شخصيات عريقة في الأرض الشعرية، مرموقة في سماء الفن..!

لكن ثمة تساؤلات تأبى إلا أن تجعل من فضاء الأدب ساحا لها، وهي تستحق الطرح والجدل؛ هل أصابت أبو ظبي بهذه المسابقة، وهل حققت أهدافها المعلنة؟!.

إن الحقيقة المرة تتجلى في أن الشعر الفصيح، بات في ذلك المسرح سلعة تباع وتشترى، وأصبح ديوان العرب سوقا كبيرة، الفائز فيها من عزت قبيلته واتقدت عصبيته،, أما من شدا بآيات البلاغة، وسما ببرهان العرب، فلا يضيره ذلك, كما لا ينفعه إن لم يمتلك أمة من خلفه تدافع عنه وتبذل الكثير من المال في سبيل نجاحه.

مؤسف جدا أن يتحول الشعر العربي الفصيح إلى ندٍ للنبطي، فبينهما بون شاسع، وهوة كبيرة، ودليل ذلك ما نراه عند الشعراء النبطيين فكثير منهم ينحو منحى الفصيح ويطعم شعره به ليضيف إليه شيئا من الثقافة والأصالة العتيقة.

من الخطأ أن تطبق تجربة (شاعر المليون) على (أمير الشعراء). ثم تدرج في أهدافها: خدمة الثقافة؛ من نشر للفصيح، وإحياء لميته، وردم للهوة التي تفصل بين العربي وديوانه.. بينما تنشط الهيئة في الجهة الأخرى للشعر النبطي وتروج له، ومعروف أن تلك الهوة السحيقة لم توجدها سوى العامية بشتى تجلياتها ومن ذلك الشعر النبطي، إن الخشية تكمن في تحبير تلك الأهداف لأجل المسابقة، وجعلها واجهة ليحقق الكثير من المكاسب وراءها.. وهذا مما يضر بالأدب ولا ينفعه.!

قيل إن التكسب بالشعر كان أول ثلمة فيه منذ النابغة الذبياني، وقد كان الشاعر يكتب القصيدة مدحا لوجيه من الوجهاء طمعا بالعطايا والهبات، فيكون الباذل شخصا واحدا، أما الشأن الآن فمختلف، وقد أسند ذلك كله إلى الجمهور فهو من يتكفل بالعطايا، وهو من يخلع الخلع، ويزجي الهبات.. وكأني بالشعر صوتا ثقافيا تاريخيا وأداة فنية راقية قد أمسكت بزمامه الانتماءات العرقية والوطنية، والتوجهات الفكرية والمذهبية لتجعل من الأدب الفصيح - وهو يشتكي بُعد أبنائه عنه وجهلهم به - لعبة يميلون بها حيث شاءوا، مادام بعضهم يمتلك المال، ليصيّره حملا وديعا بعد أن كان كاسرا مهيبا..!

كان على (أبو ظبي) أن تخدم الشعر الفصيح، لا أن يخدمها هو.. وهي المدينة التي أعدها مركزا ثقافيا مرموقا، ويكفي أن نسمع بهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث.. تلك التي قدمت الكثير للثقافة والأدب وأشهر من تذكر (الموسوعة الشعرية) التي جمعت شتات الأدب وجعلته متآلفا طيّعا بين يدي كل عربي وبتكلفة زهيدة..!

كنت أطمع في أن تصدق الهيئة في دعواها دعم الشعر الفصيح، ومعلوم أنه يصارع النبطي الذي كانت تطعمه باليد الأخرى..! كان عليها أن تجعل الشعر الفصيح حرما لا تجوز عليه سائر الأحكام، خاصة أنها أتت بنقاد مجيدين، وأكاديميين ناجحين لهم صيتهم وشهرتهم، ولهم ثقلهم ووزنهم، وكان عليها التقليل من الإبهار الإخراجي والرونق الفني، والابتعاد عن جعل تصويت الجمهور أساسا، فهذا من أعظم المآخذ!, وحسبها أن تتيح للجمهور التصويت بالطرق - غير التجارية - من شبكة الإنترنت والرسائل العادية، وكنت - منذ سمعت بهذه المسابقة - رجوت أن تقوم بذلك أبو ظبي! لكنها كانت تحسب حسبة أخرى..! ومما زاد الأمر سوءاً اختيار مقدمين للبرنامج لا يجيدون الفصيح فيلحنون كثيرا، مما يخدش لب المسابقة ويبهت صورتها!

لا ننكر أن لهذه المسابقة فضائلها، التي من أهمها تعريف الناس بمهمة النقاد ودورهم وذلك بالتطبيق المباشر، - مع أنه يؤخذ عليهم سرد النقد وهذّه هذّاً -.!

ومن أهم ما خرجت به هذه المسابقة إطلاعنا على شعراء لم يكن لهم ظهور في المشهد الأدبي، وبعضهم أجاد وأبدع..!

أخيرا.. كانت مسابقة (أمير الشعراء) عملا استثماريا ناجحا، انتفعت منه جهات كثيرة، ولم يخسر سوى القليل.. وفي ظني أن أبرز الخاسرين هو الشعر في جماليته وعفويته.

حازم بن فهد السند- جامعة الملك سعود - قسم اللغة العربية Alhazim@Gmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة