Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
تشكيل
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 

انتخب مجلسهم علناً وتحت أنظارهم
التشكيليون أثبتوا قدرتهم على مسايرة التطور وممارسة الديمقراطية

 

 

إعداد : محمد المنيف

نعود عبر هذه الحقيبة لنحتفل فيها ومعها بالإنجاز الكبير الذي تحقق للفن التشكيلي، ونستعيد ما كنا نستعرضه أو نطرحه ويطرحه زملاء آخرون معنا مطالبين بهذه الجمعية، أيام كانت تمر ثقيلة أمام انتظارنا لتحقيق الحلم، كنا فيها نترقب بعد أي مقال هنا أو هناك في صحيفة أو مجلة يشاركنا كتابها الهم نفسه، نترقب خبرا جديدا أو تصريحا من مسئول يستجيب أو يتجاوب ولو بالتسويف ليبعث فينا الأمل، ومع ذلك طال الانتظار وابتعدت المسافة، إلى أن أصبح مشهد الجمعية كالسراب تارة نراه، وتارة يضيع في ثنايا صحراء جافة يمثلها قصور النظرة نحو المستقبل من قبل بعض من لديهم القرار.

هذا الترقب والانتظار الطويل المشوب بفقدان الأمل لم يثني عن الاستمرار في المطالبة المباشرة أو عبر ما نقدمه في هذه الصفحة ويقدمه الزملاء في صفحاتهم المماثلة في الصحف الشقيقة، لثقتنا بأن المستقبل كفيل أن يحقق المطلب.

إنجاز استحقه التشكيليون

لن نتكلم أو نستعرض أو نكشف الكثير من المواقف ملتمسين العذر لمن كان يشكل عائقا بين تحقيق الرغبة وبين وصولها إلى أصحاب القرار، ولن نعود للماضي إلا بالذكرى الطيبة والشكر لكل من ساهم ودعم هذا الفن من مختلف القطاعات الصغيرة والكبيرة، فنحن أبناء اليوم والساحة الآن تضع الجمعية أمام بداية طريق طويل لا يمكن إغفال الخوف مما قد يحيط به إلا أن الدعم والمؤازرة التي وعد بها كل من حضر واقترع وانتخب مجلس الإدارة تجعل التفاؤل زادا يؤمن لهم الانطلاق في رحلتهم للفترة التي كلفوا بها, كما أن الانجاز يعني أن الساحة قد وضعت لها موقعا ومكانة في ذاكرة المسئولين عن الثقافة فاستحقت تأسيس الجمعية وهذا أمر لا يمكن إغفاله أو استعراضه فقد أخذ التشكيليون في بناء مسيرتهم منذ فترة طويلة تتجاوز الأربعين عاما على أيد رواد البدايات، وما تبع ذلك من الأجيال الجديدة إلى يومنا هذا.

التشكيليون وتجربة الانتخابات

الأهم في هذا الإنجاز هو قدرة التشكيليين على التعامل مع الآلية الجديدة المتمثلة في الانتخابات منذ الإعلان عن التسجيل في عضوية الجمعية لعمومية وصولا إلى الترشيح لمجلس الإدارة الذي توقعنا فيه أسماء كثيرة ومهمة على الساحة، أبدى الكثير منهم اعتذاره وتبريرهم ذلك بعدم وجود الوقت الكافي للمساهمة في الجمعية كعمل إداري يحتاج إلى متابعة وبحث عن سبل التطوير لهذا الفن، هذا التفاعل كما اشرنا والدخول في هذه التجربة الانتخابية يكشف مدى ما يمتلكه التشكيليين من ثقافة واعية وتقبل للنتائج، وهذا ما لوحظ بعد إعلان الأسماء من فرحة مشتركة لم تتوقف عند فوز من صوتوا لهم، بل تجاوزها إلى الأهم وهو تأسيس الجمعية، وهو لهدف الذي تقبله واقبل عليه الجميع وجاءوا لأجله من كل مناطق المملكة.

المرأة التشكيلية

الحضور المتميز للتشكيليات بعث في نفوس المرشحين الرجال الخوف من اكتساح أكبر عدد من المقاعد في مجلس إدارة الجمعية، إلا أن كثافة أعداد الرجال أعادت التوازن، هذا بالطبع أمر مهم في أجواء المنافسة بشكل عام مع التأكيد على أن الساحة التشكيلية وما يحيط بها من منافسات بين الجنسين دفع بالتشكيليات لإقامة معارض جماعية لهن وبالمشاركة المستمرة في المعارض العامة موجدين لهن موقع قدم في مسيرة الساحة وبشكل قوي وملفت للنظر استحق إعجاب الجمهور داخل المملكة وخارجها، لهذا فعلى الجمعية اعتبار التشكيل النسائي والرجالي عينين في رأسها.

الانشغال عن المقصد والهدف

لا يمكن تجاهل وجهات النظر ولا يمكن أن يمر الموقف دون وجود مشاعر متضاربة عند بعض التشكيليين وهذا أمر طبيعي لأي مجتمع ولكل منا قدرته على التعامل مع الموقف، وإذا كنا قد عممنا الفرحة ونقلنا الحقيقية العامة للحضور يوم الانتخاب التي اتفق عليها الجميع من خلال تواجدهم المباشر وقت العد والفرز الا أن هناك أيضا ما يمكن حمله والشعور به من البعض الآخر، ومع أنه حق لا يمكن التدخل فيه ورأي لا يمكن الاعتراض أو الوقوف حيال التعبير عنه، إلا أننا نأمل أن يتحول إلى رد فعل إيجابي يتم من خلاله تعديل وتقويم الاعوجاج إن وجد، وأن نترك الأيام القادمة حكما للواقع وبعدها لكل حادث حديث، لئلا ننشغل بجوانب عابرة أمام مقصد كبير يحتاج منا للهدوء والتروي فقد يكون في من اعترضنا عليه خير للساحة ولمستقبل الفن.

التجربة صعبة والزمن كفيل بإنجاحها

عامان فقط.. هي الفترة التي سيعمل فيها مجلس ادارة الجمعية الجديد وبعدها سيتم ترشيح أسماء جديدة او استمرار المجلس أو بعض أعضائه اذا رأت الجمعية العمومية ذلك، عامان فقط يأتي بعدهما من لم يحالفه الحظ في هذا المجلس ليقدم الجديد أو يعيد النظر فيما قدم سابقا، إذاً؛ فالأمر لا يتوقف عند هذه الأسماء ولن تكون الجمعية حصرا عليهم، كما لا يمكن لمجلس الإدارة أن يتخذ أي قرار او إضافة جديد على اللائحة الا بموافقة الجمعية العمومية، إذاً فالعمل جماعي والساحة هي من يستطيع إنجاح الجمعية او إفشالها لا سمح الله.

أقلام وكتاب وقنوات تفاعلت مع الحدث

الجميل في الأمر أن التشكيليين تلقوا مؤشرات النجاح مع أول إعلان تشكيل المجلس فقد استقبلت هذه الخطوة بالترحاب واصبحت مادة مهمة للعدد من الكتاب وبرامج القنواة التلفزيونية، ولنا في زاوية الكاتب المعروف محمد آل الشيخ يوم الثلاثاء الماضي وزاوية الأستاذة أميمة الخميس ابرز شاهد على أننا حققنا أول نقاط التميز وأصبح التشكيليون وجمعيتهم ممتلكة زمام الريادة في مجال الانتخابات. يسعدنا أن نعيد نشرهما للأحبة قراء الصفحة.

كتبت الأستاذة اميمة الخميس في زاويتها (نوفذ) بعنوان خطوة أولى... ملونة/ بكل الجلال والجمال الذي تعبر عنه وتقدمه وتطمح له الفنون التشكيلية، ظهرت انتخاباتهم الأخيرة في الرياض، والتي انبثق عنها جمعية سعودية منتخبة للفنون التشكيلية ويتضمن مجلس إدارتها ثلاث نساء.

إنها ألف باء الديمقراطية والتأسيس لوعي شعبي شامل، بها من خلال رموز ثقافية فاعلة ومسئولة وقادرة على أن تضعها في سياقها الزماني والمكاني المثمر والخصب، والذي يجذر للتجربة ويرسخها على أكثر من صعيد.

تم هذا كله بعيدا عن الصياح والهياج والشعارات التي تحرق المراحل، وتجعل من المشاركة الشعبية نشازا ينظر له بعين الريبة بحيث يحاصر كأمر مستحدث خارج عن النسيج الثقافي للشعوب.

إن التأسيس للمشاركة الشعبية عبر المحيط الثقافي هو خطوة كبيرة نسيرها في طريق الإصلاح، فهو من ناحية يتم في محيط واعي ومثقف وغير مخترق من أصحاب الشعارات وهواة التثوير والبلبلة، الأمر الثاني أن المجتمع المثقف يعي أن المشاركة الشعبية هي نوع من المسؤولية والانخراط والانتماء وأهم من هذا كله العمل والعطاء، وليس فقط مجموعة أصوات أحشدها وفقا لاعتبارات لاتندرج بها الوطنية أو الصالح العام.

باقة نخيل خضراء نقدمها لجمعية الفنانين التشكيلين المنتخبة، وأخص منهم الصديقة الرائعة اعتدال العطيوي، والفنانة منال الرويشد، والفنانة تغريد البقشي.

فنانات دخلن الريادة من أوسع أبوابها فهن من ناحية أصبحن عضوات في أول جمعية سعودية للفنون التشكيلية، ومن ناحية أخرى من أوائل النساء اللواتي انتخبن في مجالس الإدارة وضمن انتخابات حرة ونزيهة على المستوى المحلي.

هذا المشهد التشكيلي المبهج لون صباحاتنا بالكثير من البهجة، وغرس حقل حنطة على ضفاف مسيرة الإصلاح الطويلة.

بقي الآن أن يكون هذا المشهد لحملة الريشة مستنهضا لهمم حملة الأقلام ليقوموا بخطوتهم الأولى في هذا المجال.

ويقول يقول الكاتب محمد آل الشيخ في زاويته (شيء من) بعنوان المرأة في جمعية التشكيليين/ مشاركة المرأة السعودية في المناشط الاجتماعية والثقافية يبدو أنها ستصبح في القريب العاجل واقعاً ملموساً في أكثر من مجال؛ وهي على ما يبدو إفراز من إفرازات حقبة (الحوار) بين أطراف الطيف

الثقافي في المملكة التي أسسها ورعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وها هي الآن تأتي قطافها. فقد قرأت في عدد من الصحف خبراً عن نتائج انتخابات الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، حديثة التكوين، والتي تمثّلت فيها المرأة بقوة مُنتخبة ومرشحة، يقول الخبر: (وأتت نتائج الانتخابات بحصول الفنان عبدالرحمن محمد السليمان على 54 صوتاً، تليه الفنانة التشكيلية اعتدال العطيوي2 صوتاً ثم الثاني مكرر محمد بن عبدالعزيز المنيف بحصوله على العدد نفسه من الأصوات، والتشكيلية تغريد البقشي بحصولها على 40 صوتاً شاركها في العدد نفسه الفنانة منال الرويشد، ثم الفنان ناصر الموسى 32 صوتاً شاركه فيها صالح النقيدان بالعدد نفسه، ثم أحمد حسين الغامدي 31 صوتاً، وأخيراً الفنانان صالح محمد خطاب وصديق محمد واصل بحصولهما على 30 صوتاً لكل منهما).

هذه الجمعية الجديدة هي في حد ذاتها فعاليّة من فعاليات المجتمع المدني الحديث، كما أنها تحمل أبعاداً ذات دلالات تحضّرية تشير إلى تعاملنا (الجديد) والمنفتح في الشأن الثقافي والفني في البلاد. ولعل مشاركة (المرأة) في قيادة هذه الجمعية تحمل أكثر من بُشرى؛ فمَنْ كان يتصور، حتى قُبيل سنوات قليلة، أن يكون للمرأة السعودية هذا الدور الاجتماعي والثقافي الفاعل في البلاد، غير أن الإصرار، والمثابرة، ومواجهة الواقع بجرأة وقوة، جعلت هذه التشكّلات (المدنية) من جهة، و(الحضارية) من جهة أخرى، تفرض نفسها كحقيقة على الأرض.

أهمية هذه الخطوة تكمن في رمزيتها، وكونها مؤشراً يشير إلى تغيّر (نوعي) في اتجاهين: أوّلهما أن المرأة بدأت تتخذ موقعها المطلوب، وتشارك في صناعة القرار الثقافي من خلال جمعيات أهلية تُمهد في توجهاتها وإرهاصاتها لتكوّن المجتمع المدني الحديث في البلاد. أما الاتجاه الثاني الذي تشير إليه هذه الفعالية، فيكمن في نظرتنا (الجديدة) للفنون التشكيلية، والتي كنا نرفضها في الماضي بقوة؛ أما الآن (فوزارة الثقافة والإعلام) هي الجهة الحكومية المشرفة على تأسيس هذه الجمعية، وهي التي أعطت المرأة فرصة التمثل والتصويت، ودخول مجلس إدارة الجمعية؛ وهذا بمنتهى الوضوح يعني أن الفنون التشكيلية أصبحت (فناً) معترفاً به من الدولة.

ولو كنت في مكان الفائز الأول في الانتخابات الفنان عبدالرحمن محمد السليمان لانتهزت هذه الفرصة، وتناولت للفنانة اعتدال العطيوي التي حلت في المركز الثاني في الانتخابات لترأس هذه الجمعية، ولتكون سابقة تاريخية، ستُخلد اسم الفنان السليمان في تاريخ التنمية الاجتماعية في البلاد بحروف من ذهب.

ومهما رفض الرافضون، واعترض المعترضون، فإن الرقي بالفن التشكيلي ينعكس على ذوق وتطور الشعوب.. وإثراء ذوق الإنسان، يعني - بالضرورة - الارتقاء بقدرته على الابتكار والتخيّل والإبداع. هذه حقيقة أثبتها تاريخ الحضارات منذ أن أوجد الله الإنسان على وجه الأرض.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة