Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
كتب
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 
إعداد الممثل

 

 

المؤلف: بوريس زخافا

ترجمة: توفيق المؤذن

الناشر: مكتبة مدبولي

***

يعد بوريس زخافا أحد أبرز أساتذة المسرح في معهد شوكين التابع لمسرح السوفيتي فاختانغوف حيث بدأ التدريس فيه عام 1918م ولفترة امتدت حوالي خمسين سنة ويرتكز في كثيراً في كتابة على مقولات وتجارب المسرحي الروسي الشهير ستانسلافسكي ويستهل كتابة بالحديث عن الفكر والإبداع قائلاً: (لا ينفصل الإبداع الفني عن طبيعة الفنان الروحية سواء كاتباً أو ممثلاً أو موسيقياً أو نحاتاً أو رساماً فالفنان العظيم يكتسب عظمته من انعكاس الحياة في إبداعه بكل عمقها وتنوع ظواهرها اللا محدود).

ويستشهد في ذلك بحديث ستانسلافسكي حينما قال لممثليه: إن أردتم الاقتراب في إبداعكم من هؤلاء العمالقة فادرسو القوانين الطبيعية التي تخضع لها بشكل عفوي أحياناً وتعلموا استخدام هذه القوانين بصورة واعية، وطبقوها في إبداعكم العملي.

هذا هو الأساس الذي قام عليه منهج ستانسلافسكي الشهير، ومادة هذا الكتاب هي قضايا الفن المسرحي وبالأخص الممثل وفن التمثيل بكل ما يحمله من متناقضات وأضداد بين الشكل والمضمون (وحدة الممثل - الشخصية والممثل المبدع، العامل الجسماني والنفساني في إبداع الممثل، الذاتي والنموذجي في الشخصية التي يجسدها، الحرية والضرورة في عملية الإبداع، الداخلي والخارجي في كل الألوان المسرحية على حدة: في النبرة، في الإيماءة، في الحركة.

ويؤكد المؤلف أن أولى المبادئ التي يجب على الممثل مراعاتها والاهتمام بها هي أن المسرح فن جماعي لا يخلقه فنان أو شخص واحد كما في اغلب الفنون الأخرى بل كثير من المشاركين في عملية الإبداع فالمؤلف، والمخرج، والماكيير، ومصمم الديكور والملابس، والموسيقي وفني الإضاءة وغيرهم، يبذل كل منهم قسطاً من الجهد الإبداعي في العمل المشترك. لذا فإن المبدع الحقيقي في فن المسرح هو المجموعة وليس الفرد.

وتتطلب طبيعة المسرح أن يكون مجمل العرض المسرحي مشبعاً بالفكر الخلاق والمشاعر الحية التي يجب أن تتغلغل في كل كلمة وكل حركة من حركات الممثل، وفي كل تشكيل حركي يضعه المخرج. كل هذا معاً، أي كل مظاهر التعبير عن حياة ذلك الكيان الواحد والمتكامل، الذي ولد بنتيجة الجهود الإبداعية لكل الفريق المسرحي، هو الذي يملك الحق بتسميته نتاجاً حقيقياً. عرضاً مسرحياً، لهذا فإن مهمة تربية الممثل على الروح الجماعية تنبع كما نرى من طبيعة فن المسرح ذاتها، وتتطلب تطويراً شاملاً لشعور الإخلاص لمصالح الجماعة ومحاربة كل مظاهر الأنانية والفردية.

ثمة خاصية أخرى للمسرح ترتبط ارتباطاً بالمبدأ الجماعي للفن المسرحي وهي طبيعته التركيبية فهو فن مركب من كثير من الفنون المتفاعلة فيما بينها: الأدب، الرسم، الموسيقى، الغناء، الرقص... الخ وهناك فن واحد من هذه الفنون يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسرح فقط ألا وهو فن الممثل حيث إن الممثل لا ينفصل عن المسرح والمسرح لا ينفصل عن الممثل وبهذا يقرر المؤلف أن (الممثل هو حامل خاصية المسرح).

بعد ذلك ينطلق بنا الكاتب إلى أساسيات فن الممثل مبتدئاً بالفعل الذي يعتبره المادة الأساسية لفن المسرح حيث إن المسرح هو الفن الذي يعكس الحياة الإنسانية عبر أفعال إنسانية حية وملموسة، فبينما يكتفي الأديب بوصف الفعل الإنساني، ويصور الرسام هذا الفعل بشكل جامد ثابت، فإن الممثل المسرحي يحقق هذا الفعل على الخشبة مباشرة وعياناً.

ثم ينتقل إلى النص المسرحي كعنصر قائد في بيان الفعل المسرحي وتحديد الدور والشخصية ورسم ملامحها، بعد ذلك يتوقف عند دور المخرج في صنع إبداع الممثل مؤكداً على المخرج ألا يكون دكتاتوراً يحدد بتعسفه الإبداعي ملامح العرض.

فالمخرج يكثف في نفسه الإرادة الإبداعية لكل أعضاء الفريق المسرحي وعليه ان يستطيع التكهن بإمكاناتهم المخفية الكامنة، حيث إن العمل مع الممثل من أجل خلق العرض المسرحي، فيشكل الجزء الرئيس والأهم من عمل المخرج حيث إن الممثل هو المادة الأساسية لفن المخرج هذا الكلام صحيح ولكن يحتاج بعض الدقة فالممثل حي، وظاهرة في منتهى التعقيد: له جسم وأفكار، ومشاعر وأحاسيس، إنه ليس مجرد مادة، بل هو مبدع أيضاً إنه مبدع وموضوع لإبداع المخرج في الوقت نفسه. إذن ما هي المادة التي يستخدمها المخرج في الممثل أو كيف يعتبر الممثل مادة لإبداع المخرج؟

إن خواطر الممثل وآماله الإبداعية، ورغباته وتصوراته الفنية، وأفكاره ومشاعره، وخياله الإبداعي، خبرته الشخصية والاجتماعية، معارفه، مشاهداته الحياتية، ذوقه، مزاجه، فكاهته، حضوره المسرحي، أفعاله وألوانه المسرحية...

كل هذا هو مادة إبداع المخرج التي لا تقتصر أبداً على جسد الممثل ولا على تمكنه من استحضار المشاعر المطلوبة حسب إرشادات المخرج. والمخرج الحقيقي هو معلم الممثل في فن المسرح، ومعلم له في الحياة أيضاً. إنه أي المخرج، مفكر وشخصية اجتماعية وسياسية، إنه الصوت المعبر عن الفريق الذي يعمل معه، وهو بمثابة المربي والملهم لهذا الفريق.

ويتجاذب فن الممثل تيارين متصارعين فاتجاه يركز على أن طبيعة فن التمثيل تتطلب من الممثل أن يعيش المشاعر الحقيقية للشخصية المسرحية على الخشبة، والاتجاه الآخر هو أن يقوم بإعادة استعراض الشكل الخارجي للمعاناة الإنسانية والناحية الخارجية للسلوك الإنساني بالاعتماد على براعته التقنية بشكل أساسي وقد أطلق ستانسلافسكي على هذين التيارين اسمي: فن المعاناة وفن الاستعراض.

والحقيقة أن طبيعة فن التمثيل متناقضة لذا لا يمكنها أن تخضع لنظرية أحادية الجانب، والممثل يعي في ذاته تلك الطبيعة المعقدة لهذا الفن بكل تناقضاتها، وغالباً ما يحدث عندما يرتقي الممثل خشبة المسرح أن يهمل كل الآراء النظرية، ولا يبدع مخالفاً لها فقط، بل وبالتناقض معها أيضاً، لكن بالتوافق مع القوانين الموضوعية لفن التمثيل لذا فإن أنصار هذا الاتجاه أو ذاك ليسوا في حالة تسمح لهم بالتثبت بموقف ثابت من آراء مدارسهم حتى النهاية دون الاضطرار لتقديم التنازلات، فالتطبيق العملي الحي لا بد أن يضعهم في موقف يتعارض مع مبادئهم أحادية الجانب، مما يضطرهم لإدخال مختلف التعديلات والتأويلات على نظرياتهم.

بعد ذلك ينتقل المؤلف لوحدة التكامل الجسدي والنفسي والموضوعي في الإبداع الممثل وطبيعة المعاناة المسرحية عند الممثل وتأثيرها في أدائه والشخصية والممثل المبدع. وفي القسم الثاني من الكتاب يخصص المؤلف حول فن الممثل منطلقاً من المبادئ الأساسية لتربية الممثل مبيناً أهم المهام التي تقع على عاتق مدرسة أو معاهد التمثيل وهي: تكوين الشخصية الفنية للطالب (دارس التمثيل) ثم كشف هذه الشخصية، وتتضمن المهمة الأولى التربية الفكرية والأدبية والجمالية والأخلاقية والانضباطية للمثل المستقبل (تكوين الفكر والتذوق الفني والجانب الأخلاقي) مبتدئا بتربية الذوق الفني عبر القراءات والدراسات حول النصوص المسرحية النموذجية والجيدة ومقارنتها بالضعيفة أو الركيكة، وبدراسة مدارس الفن عبر مختلف العصور، ثم التربية الأخلاقية للمثل، والتي تتمثل بالنظام وبالانضباط كاحترام المواعيد والتقيد بها واحترام تعليمات المعلم والمدرب وتنفيذها، واحترام زملائه الطلاب والتعاون معهم وتربيته على روح الجماعة، ويتحمل المخرج بشكل خاص العبء الأكبر في التربية الأخلاقية لأعضاء الفرقة التي يعمل بها فهي تدخل ضمن مسؤوليات ومهام المخرج وإذا كان المخرج لا يلقي بالاً أو يتهاون في هذه المسائل فإنه يعطي الدليل على أنه مخرج غير ناضج ذلك لأن العرض المسرحي الجيد بشكل حقيقي لا يمكن إعداده إلا في جو أخلاقي فني جيد، والفرقة التي يسودها جو فني أخلاقي راق، يسير فيها العمل بسرعة أكبر ويعطي ثماراً أفضل، لهذا لا ينبغي الأسف على الوقت والطاقة المبذولين لخلق مثل هذا الجو، لأنه يجري تعويضهما في النتيجة.

وفي الختام يقدم المؤلف نموذجاً تطبيقياً للتربية المسرحية للممثل من خلال منهج ستانسلافسكي وهو واحد من أشهر المناهج التدريبية في العالم وأكثرها ذيوعاً وانطلق من كثير من المجددين في مناهج تدريس التمثيل في مختلف الدول.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة