Culture Magazine Thursday  08/11/2012 G Issue 384
أوراق
الخميس 23 ,ذو الحجة 1433   العدد  384
 
فوائد لغوية
أبو عثمان إبراهيم بن عثمان

 

منذ خمس سنوات وقعت في المعرض الدولي للكتاب - على رسائل الأستاذ محمد كرد علي إلى الأب الكرملي فنقدت ثمنها دون مماكسة رغم ضعف الغلاف والطباعة ورداءة الورق، وأثناء بحثي - قبل أيام - عن كتاب المسك الأذفر للعلامة الألوسي رحمه الله (1857 - 1924م) عثرت مصادفة بين كتب عندي - على تلك الرسائل، فتركت البحث عن المسك على ان أعاود البحث عنه فيما بعد.

ومن ضمن ما ورد في تلك الرسائل مقترح بعنوان: (الكلمات غير القاموسية) يقع فيما يزيد على أربع صفحات (111 - 115) مذيل باسم المغربي(1)، موجه- في حينه- إلى أعضاء المجمع العلمي حول الكلمات غير الموجودة في القواميس العربية، وقد أدرجه الأستاذ كرد علي ضمن إحدى رسائله المذكورة المرسلة إلى الأستاذ الكرملي (1866 - 1947م)، صاحب (لغة العرب) بتاريخ 6 صفر 1346هـ.

وحيث تضمن ذلك المقترح على شيء من الفوائد والتساؤلات، علاوة على البعد التاريخي حيث مضى على ذلك ما يناهز التسعين عاماً، رأينا - لعموم الفائدة والمداولة العلمية - إتحاف القارئ الذي لم يسبق له الاطلاع على ذلك بملخصه كما يلي:

استهل الأستاذ عبدالقادر المغربي (1968 - 1956م) مقترحه المذكور بقوله (موضوع اقتراحي أيها السادة هو استمالة نظركم إلى العناية بالكلمات (غير القاموسية) وأعني بالكلمات الغير القاموسية كلمات نستنكف من إيداعها قواميسنا العربية، لكننا مع هذا لانستنكف من التكلم بها وإيداعها كتاباتنا أحياناً، وقد أصبحنا معشر العرب مع معاجم لغتنا نرى ألوفاً من الكلمات العربية الحوشية المهجورة الاستعمال قد تبوأت من قواميسنا الصدر والمحراب، وألوفاً من الكلمات الدخيلة التي ألفتها الأسماع والتي نرى أننا مضطرين إلى استعمالها قد حرمت دخول المعاجم وطرحت وراء الأبواب).

ثم قال بعد ذلك: (وكل ما أريده من أفاضلنا ألا ينظروا إلى الكلمات (غير القاموسية) نظرة ازدراء ولا يحرموا استعمالها على السواء بل أقترح عليهم أن يصنفوها ثم يميزوا بين أصنافها) .. الخ.

ثم أورد سبعة أصناف من الكلمات غير القاموسية - حسب وصفه - نذكر خمسة منها باختصار وهي:

الصنف الأول: كلمات عربية قحة لم تذكرها المعاجم لكنها وردت في كلام فصحاء العرب الذين يحتج بأقوالهم مثل فعل (تبدّى) بمعنى ظهر لم تذكره المعاجم بهذا المعنى وإنما ذكرته بمعنى (سكن البادية)(2).

لكنه ورد في بيت شعر لعمرو بن معدي كرب حيث قال:

وبدت لميس كأنها

بدر السماء إذا تبدّى(3)

فهل يجوز لنا إهمالها بعد أن جاءت في شعر هذا العربي الصميم؟

الصنف الثاني: كلمات عربية خالصة لم تذكرها المعاجم لكنها وردت في كلام فصحاء العرب الإسلاميين الذين لا يحتج بأقوالهم وهذا كفعل (أقصْ) الخبر رباعياً بمعنى (قصّه) ثلاثياً لم تذكره المعاجم لكنه جاء في كلام الإمام الطبري المشهور ببلاغة عبارته إذ قال في تاريخه 2-184 من الطبعة الأوروبية (فأتيته فأقصصت قصته) (4).

ويمكن أن نعد من هذا النوع إقرار العلامة اليازجي لكلمة (فخيم) مع ان علماء اللغة لم يذكروا إلا (فخم)، وكذلك استخدام الشيخ محمد عبده لكلمة (صدفة) في خطبة شرحه لنهج البلاغة مكان كلمة مصادفة(5).

الصنف الثالث: كلمات عربية المادة ومع هذا لا يعرفها العرب أو لا يعرفونها في معان آخر، وهي كلمات اصطلاحية فنية أو إدارية كقولهم (هيئة المحكمة) (تشكيل المحاكم) (انعقدت الجلسة) (تعريفة الرسوم) (ميزانية) (كمية) (كيفية) وكلها كلمات غير قاموسية.

الصنف الرابع: كلمات عربية المادة ولدها المتأخرون من أهل الأمصار الإسلامية لا يعرفها العرب الأولون، ولم ينطق بها الفحول مثل فعل (خابره) بمعنى راسله وفعل (تفرَّج) على الشيء (واحتار) في أمره (وتنزَّه) في البستان، وهكذا.

الصنف الخامس: أساليب أو تراكيب أعجمية تسربت إلى لغتنا مترجمة عن اللغات الأوروبية ولا يعرفها العرب الأقدمون كقولهم: (ذرّ الرماد في العيون) (عاش ستة عشر ربيعاً) (وضع المسألة على بساط البحث) (لا جديد تحت الشمس) (ساد الأمن في البلاد)، (في نظير ذلك) وكل هذا مما استفاض بيننا وتعاورته أقلامنا ولا أظن أحداً ينازع في جواز استعماله إلا الذين أصيبوا بالوسواس اللغوي.

وقد اختم الأستاذ المغربي مقترحه بقوله: هذا ما خطر لي في تصنيف الكلمات (غير القاموسية) ويمكن تصور أصناف غيرها إذ ليس القصد الاستقصاء وبلوغ الغاية وإنما القصد الإشارة والتلميح إلى ما يجب على مجمعنا العلمي عمله من التسامح وإعطاء الفتوى في الكلمات التي عمّت بها البلوى. انتهى

هذا ما ذكره الأستاذ والأديب المغربي في بعض ما ظهر له واستجد من مصطلحات زمنه فماذا يقول أساتذة اليوم، وبالله التوفيق.

***

الهوامش:

1- المغربي، عبدالقادر مصطفى (1868-1956م) عالم وأديب أصله من تونس ومولده باللاذقية عمل في الصحافة وله تصانيف، وقد نشر مقترحه المذكور - ابتداء - في مجلة المجمع العلمي العربي 8/ 1928م ص29-32. انظر حاشية الرسائل (بتصرف).

2- وعوام أهل نجد يصفون الحضري الذي أخذ بطباع وعادات أهل البادية أو ارتحل معهم في صحرائهم بقولهم له فلان (تبدوى/ بكسر التاء) فهل هذه المفردة مصحفة من كلمة (تبدّى) بالمعنى المذكور أي سكان البادية؟

3- قال المحقق العجيل في الحاشية رقم 126: «ينظر ديوان عمرو بن معدي كرب الزبيدي.. وجاء في حاشية لصانع الديوان الأستاذ هاشم الطعّان: تبدى بالمعنى الذي جاء به هنا لم ترد في معجمات اللغة، وقد دار نقاش حول فصاحتها في مجلة المجمع العلمي عام 1935م. ونبه محمد إسعاف النشاشيبي إلى أنها وردت في طويلة للمرار بن منقذ في المفضليات.

لحسبتُ الشمس في جلبابها

قد تبدت من غمام منسفر

4- قال في الحاشية ص191: فأسقط الرقم (1) من الرقم (1841) والمثبت في هامش طبعة دار المعارف من تاريخ الطبري بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ج7 ص273. وقال المحشي أيضاً في حاشية الصفحة التي بعدها: والذي جاء في تاريخ الطبري (7/273) من طبعة دار المعارف المشار إليها في الحاشية السابقة «فأتيته فاقصصت قصتهم»،

قلت: يجب التنبه - في حال المراجعة - إلى إمكانية اختلاف ترتيب الصفحات في الطبعات الحديثة اللاحقة عما ذكر في الطبعات القديمة المذكورة هنا.

5- قال الأستاذ الكرمني في جوابه على الصنف الثاني من اقتراح الأستاذ المغربي المذكور ص213 ما نصه: «كَلِمُ فصحاء العرب الإسلاميين من أبناء صدر الدين الحنيف وبعده تدون أيضاً لأنها مولدة، وأغلب مصطلحات علوم الأدب والرياضيات والعقليات والإلهيات غير مدونة. ولهذا تُجمع وتبوّب كسائر المفردات الفرائد لأننا في حاجة إليها وإلى مثلها. أما (فخيم) و(صدفة) فليستا من هذا الصنف.

قلت: كان رجل في مجلس الحجاج فتكلم عنده بكلمة (فعَّلة) فقال له الحجاج: هذه ليست من اللغة قال: بل هي من اللغة، قال: اذهب أنت بشاهد من العرب الأقحاح وإلا قطعت عنقك، فذهب الرجل إلى البوادي لعله يجد ما يفيد بذلك فسمع ذات يوم أعرابيا ينشد هذا البيت:

ربما تكره النفوس من الأمــ

ـــر له فرْجَة كحلِّ العقال

ففرح الرجل ثم جاءه خبر موت الحجاج، فقال: والله ما فرحي بموته أشد من فرحي بهذا البيت. انظر شرح أجرومية الصنهاجي للشيخ ابن عثيمين رحم الله الجميع ص34-35 بتصرف.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة