Culture Magazine Thursday  08/11/2012 G Issue 384
أوراق
الخميس 23 ,ذو الحجة 1433   العدد  384
 
الأقسام العلمية ومسيرة التعليم الجامعي
د. إبراهيم الشتوي

 

تمثل الأقسام العلمية واحدة من أهم الوحدات الأكاديمية؛ فهي المنطلق الأول لكل القرارات والتوصيات التي ينبني عليها القرار الأعلى في الهرم الجامعي، كما أنها هو المباشر لأغلب عناصر العمل الأكاديمي، كالتدريس، ومتابعة شؤون الطلاب، والتعامل مع أعضاء هيئة التدريس، ومراجعة البرامج التعليمية، وإقرار الخطط العلمية.

ونظراً لهذا الدور الكبير فإن هذه الأقسام تنهض بمسؤولية كبيرة في تطوير العمل الجامعي، وبرفع مستوى العملية التعليمية؛ لذا لا نعجب إذا رأينا الجامعات العالمية تحرص على أن يتولى رئاسة أقسامها العلمية على وجه الخصوص أصحاب الكفاءات المتميزة في التعليم الجامعي، والبحث العلمي، والخبرات الطويلة في العمل الأكاديمي من أعضاء هيئة التدريس، الذين يملكون الرؤية العلمية، والمشاريع الرائدة الكبيرة؛ لأن ذلك يجعلهم محل ثقة الكادر الأكاديمي في الجامعة، كما يجعلهم فوق الشبهات فيما يتخذون من قرارات، أو يحشدون له الرأي العام سواء في القسم أو في الكلية، ثم إنهم على دراية تامة بمكونات الحقل المعرفي الذي ينتمون إليه، فتكون لديهم القدرة على تقويم المشاريع، كما تقويم الآراء التي تطرح بعيداً عن الشعور بالنقص تجاه آراء الأساتذة بالقسم، وهذا كله يمكنهم من الاستماع إلى القول واتباع أحسنه، وتوجيه دفة القسم العلمي حيث يكون الثراء المعرفي، كما يمكنهم من فتح المجال للأصوات المتعددة باعتبارها مدركة للأساس العلمي الذي تسير فيه بدلاً من أن يكون قرارهم ناشئاً عن الجهل والتعصب الأعمى لآرائهم، يبحث فيمن يؤيده من الحاضرين، وليس مبنياً على معايير موضوعية. وهو ما يعني أن رؤساء الأقسام الذين لا يملكون هذه الصفات، فيكونون من أصحاب التجربة الأكاديمية الضحلة، والمعرفة الضئيلة في حقل التخصص، وانعدام الرؤية العلمية والأكاديمية، لا يعدون في الرؤساء، كما أنهم لا يصلحون لتولي مثل هذه المهمة، ولا يصح في هذا القول إنهم يديرون القسم، ويكتفون بآراء الأساتذة الذين يتسمون بالخبرة، والمعرفة الأكاديمية السليمة؛ لأن هذا يجعلهم ضعيفي الشخصية أمام هؤلاء الأساتذة، يستجيبون لهم لشعورهم بالنقص تجاه هؤلاء أولاً، ولحاجتهم إليهم لمساندة قرارتهم ثانياً، ثم يعني هذا أن القرار ليس نابعاً منهم وإنما بناء على رأي الأساتذة المتميزين، إضافة إلى أن هؤلاء الأساتذة هم محتاجون لرئيس القسم باعتباره يملك مصالحهم، ومن هنا فرؤيتهم العلمية مأسورة برؤية رئيس القسم، وحين تكون المكونات التي كونت رؤيتهم للأشياء، والمنطلقات التي ينطلقون منها في تعاملهم معها، ليست منطلقات علمية، ولا موضوعية، وإنما هي شخصية بالدرجة الأولى بناء على نقص الخبرة الأكاديمية والعلمية لديهم، يعني هذا أن الاستفادة من آراء الأساتذة المتميزين في القسم ضعيفة ومربوطة برؤية الرئيس في نهاية لأمر، وهو ما يؤذن بفشل الإدارة في القسم، وعدم قدرتها على القيام بمهامها الخطيرة.

ومن المؤسف أن بعض الجامعات لا تهتم باختيار رؤساء الأقسام الذين يتسمون بالصفات العلمية والأكاديمية المتميزة، فوجدنا من الجامعات يترأس الأقسام العلمية فيها أضعف الأساتذة، وأحدثهم تجربة أكاديمية، وأضعف في مجال التدريس والبحث العلمي، بل إن بعضهم يكون قد تخلف في مراحل الدراسات العليا، فاستغرق سنين عدداً، ومدداً، وانتهت مدده، وانقطع، وكذب على الكلية التي يعمل بها، ولم يقم بنشر بحث واحد بعد الدكتوراه، ثم يتولى رئاسة القسم، فيتحول ذلك المبتدئ إلى معلم، يقوم الأساتذة الأقدم منه، والأعلم والأرفع درجة، ويملي عليهم ما يفعلون بناء على هواه، ورؤية ليست مصقولة بالمعرفة والعلم، كما يقوم بتشكيل اللجان وفق ما يراه، فيضع فيها من يوافق هواه، ويحقق ما يريد، حتى ولو كان لا يمت إلى المعرفة بصلة، خاصة أنه يستخدم الصلاحيات التي تمنحها له رئاسة القسم، وهو السبب الذي نراه في التسيب في كثير من الأقسام العلمية والفوضى، وتحول العمل الأكاديمي إلى عمل اجتماعي تكثر فيه المجاملات، والصلات، والتكتلات بدلاً من النقاش العلمي الأساس؛ الأمر الذي يؤذن بتدهور التعليم الجامعي بتضعضع البنية الأساس التي يقوم عليها، وهو ما نتمنى أن يتداركه المسؤولون في التعليم الجامعي ويتنبهون إليه.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة