Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
فضاءات
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 

بعض من عرفت! «2»
عبد الفتاح أبو مدين

 

 

واليوم أجد أمامي رافداً دفعني بقوة لأقول بعض ما يجب لرجل قليل في الرجال، وجزى الله المشرفين على (مجلة الأدب الإسلامي)، الذين أفضلوا بتخصيص عدد كامل عن ذلك الإنسان غير المنسي، عبد العزيز بن أحمد الرفاعي الشاعر والأديب الكاتب، رطب الله ثراه وغفر له. وأبدأ وقفاتي مع العدد (54) من تلك المجلة عن عبد العزيز الإنسان الأنموذج النادر في حياتنا اليوم.. وأرجو أن يتاح لي أن أجوب في الحديث الحق، وفاء لوفاء سابق ودين أرجو الله أن يعينني على أدائه كما أتمنى وأرجو بعون الله وفضله وقوته.

وأعود إلى الوراء لأبدأ الحديث، من خلال تكريم الاثنينية لصاحبها الوجيه الوفي (الأخ عبد المقصود خوجة)، الذي كان مساء يوم 25-7-1403هـ، الموافق 25-4-1983م بداره في شارع الكيال بجدة، ونشر ما قيل من مشاركات في الاحتفاء بالأستاذ الرائد عبد العزيز الرفاعي رحمه الله، وفيما يلي كلمتي التي ألقيها في تلك المناسبة ونشرت في المجلد الأول من مجلدات الاثنينية التي أمضت من عمرها ربع قرن ونيّفاً، فقلت:

فما أكثر ما نسي الإنسان ولكنه لا ينسى الوفاء، أذكر بهذه المناسبة، حينما كنا نعمل في الصحافة في فندق اليمامة بالرياض، جمعنا مجلس فيه المرحوم الشيخ عبد القدوس الأنصاري، والأستاذ أحمد السباعي - عفا الله عنهما -، وبعض الإخوة الذين كانوا يعملون في الثمانينات قبل المؤسسات، وكاد الحديث يدور بيني وبين الأستاذ الأنصاري - رحمه الله - عن الأستاذ أحمد السباعي، فقال: إن الأستاذ أحمد السباعي رجل نسّاء، بهذا التعبير الذي لا أنساه، وقد مرّ عليه الآن أكثر من عشرين عاماً، وكانت بديهة الأستاذ السباعي سريعة في الرد، وكان رداً مجملاً رائعاً جميلاً، فقال: ولكني لا أنسى الوفاء، كان رداً رائعاً للأستاذ السباعي، رغم أنه لم يكن يتوقع هذا الكلام من الشيخ الأنصاري في حديث عابر، فنحن لا ننسى الوفاء لأن الذي ينسى الوفاء لا يستحق أن يذكر، ولا يستحق أن يصاحب الأخيار.

معالي الصديق الأستاذ عبد العزيز الرفاعي من أشراف الرجال ومن فضلائهم، ومن أكرمهم خلقاً، ومعرفتي به ترجع إلى ما قبل خمس وثلاثين سنة ويعود الفضل في ذلك لله أولاً، ثم للشيخ محمد حافظ الأستاذ سابقاً بمدرسة العلوم الشرعية، الذي يسعى إلى الخير، ويدل عليه، فحينما تركت المدينة إلى جدة أوصاني بأن أتعرّف على الصديق الأستاذ الرفاعي، وسعيت إلى الأستاذ الرفاعي في مكة، وبدأت العلاقة في مكة من عام ألف وثلاثمائة وثمانية وستين للهجرة، وكان الفارق بيننا فيما أتصور بالأمس واليوم كبيراً، فهو رجل في النيابة، وأنا رجل صعلوك أعمل في الجمارك، والبون بيننا شاسع، ولكن الفوارق عند الصديق ذي الخلق الكريم العالي الدمث لا توجد في قاموسه ولا في معارفه، فقد كان يسعى إليّ في جدة في بيت من لبن، تارة في الصحيفة، وتارة في الكندرة، وتارة يمر بي في مقعد صغير في إحدى بيوت جدة القديمة، وكان يجالسني على خسفة، أو على حنبل، ونقضي يوماً وبعضاً من سواد الليل، وحين كنت أسعى إليه في مكة كنت أكرهه إكراهاً وهو في النيابة، وأرجو ألاّ يضايقه هذا السر، فأجبره على أن ننام في قهوة الغزاوي خارج مكة، وهو رجل له بيت وله أم يحفظها الله.

هذه أسرار وتاريخ، فكان يجاريني، وربما في بعض الأوقات نفطر في شارع اليوسفي عند فوال معروف في مكة مشهور هناك، وهو بعمله ذلك يخرق كل عاداته، ويتعود على ظروفه ليرضي صديقاً يحبه ويكن له الوفاء، ليرد له بعض جميله، وكان يساعدني في فترة بداية حياتي الكتابية، وكنت أطمح كغيري إلى الشهرة، فكنت أرسل كلماتي إلى جريدة (البلاد السعودية)، وكان أحد المحررين فيها والعاملين، وكنت أوسطه لتنشر لي كلمة، وكان يصنع رغم رداءة ما كنت أكتبه في تلك السنين، وما زلت لا أنسى له يوم حمل إليَّ البشرى بعد احتجاب جريدة (الأضواء) وتقدمي بطلب صحيفة لتكون لي، ويبشرني ذات صباح، بقوله: مبروك.

قلت له: وماذا؟ كأنني قد نسيت الأمر.

فقال: صدر الأمر بإعطائك امتياز إصدار مجلة باسم (الرائد).

ليس هذا فحسب، ولكن كنا نلجأ إليه، وما زلنا بعد الله، في أن يقضي لنا حاجاتنا وحاجات الآخرين الذين لا يستطيعون أن يصلوا إلى الدواوين وإلى الجهات العليا.

بجانب هذا كان المرشد، وكان المشارك رغم أن (عرفات) استأثرت بالصديق معالي الأستاذ عبد العزيز الرفاعي فضمته إلى أسرتها، ولكنه كان يشارك في (الرائد) وكان الأستاذ حسن قزاز - مساه الله بالخير - يحاول ما استطاع أن يستأثر بالصديق الرفاعي، ومع ذلك كان الوفاء منه، وكانت الصداقة القديمة تجبره على أن يشارك في (الرائد)، وحين كنت أنشر بعض النقد بدوافع الأستاذ علي العمير وتلك المعارك الضارية، المعارك التي قد نتجاهلها الآن وعفا عليها الزمن، إن صح أن هذه المعارك تنتهي، كان ينصح نصح الوفي بلطف، كيف ننتقد؟ أو كيف نعامل الكبار؟ أو كيف نحترمهم؟

وهذا حق لأن أصحاب التجربة في السنين المواضي لهم منا الاحترام، ولهم منا التقدير، وطبيعة الحياة أن يتمرد الجدد على القدماء، ولكن حينما يشيخ الإنسان يدرك أخطاءه، وإذا كان عاقلاً يتراجع عن كثير من المواقف.

والواقع أن الحديث يطول لو أردت أن أستعرضه خلال الخمس والثلاثين سنة، ولكنني أوجزه فأذكر الندوة التي مضى عليها عشرون عاماً، وربما أقول كما قال أستاذنا الزيدان: حينما يسبقك آخرون بالحديث فقد يقطعون عنك الطريق لتقول ما تريد، ولكن على جانب آخر قد يفسحون لك المجال فيفتحون لك آفاقاً، ويذكرونك بأشياء قد نسيتها فهذا السبق له جانبان، لا أقول سلبي وإيجابي، وربما قد يكونان إيجابيين معاً.

الواقع أنه بجانب ما ذكر، ربما نسي بعض الزملاء الإخوان أن الأستاذ الرفاعي بجانب المكتبة الصغيرة في حجمها، الكبيرة في فائدتها ومعانيها وعطائها أنه بدأ يُعنى بالتراث، فهو قد نشر كتباً منها كتاب عن الزيات والرسالة. والواقع أن تأليف كتاب عن مجلة كانت بمثابة مدرسة عشرين عاماً شيء يستحق الكثير من التقدير، إلى جانب كتب أخرى تراثية أخذ الأستاذ عبد العزيز على عاتقه رغم تكلفه، ورغم مشاق السفر التي يعرفها الأخ محمد سعيد طيب ونعرفها نحن في النادي وربما أسرع الأخ الطيب ليقول: إن النادي يطبع على حساب الحكومة ونحن نطبع على حسابنا فالبون شاسع بيننا وبينكم إذا خسرتم فلا تُسألون، وإذا خسرنا فإننا نُسأل. على كل حال هذا موضوع أردت أن أقطع به الطريق على الأستاذ محمد سعيد طيب، وصديقنا عبد العزيز الرفاعي عزوف عن الثناء، والعجيب أنه من خلقه لم يتعرض لمعارك الشباب التي كان يشنّها علي العمير وأمثاله لأن خلقه كان يضفي على هؤلاء المشاغبين فيغلبهم، وأنا هنا لا أثير الأستاذ العمير ولكنها ذكريات ماضية.

إن الحديث يطول عن الصديق الوفي، ولكني لا أحب أن أستأثر بهذه الأمسية وأقطع الطريق عن الإخوان الذين يودون أن يستمعوا من المحتفى به إلى الكثير مما يرغبون أن يعرفوه، ولكني قبل أن أنهي هذه الكلمة أكرر وأذكر ولا أقول أنذر - لأن الإنذار قد يأتي لاحقاً - للأخ الصديق الأستاذ عبد المقصود خوجة بأنني أجدد الدعوة له لتكريمه، فهو جدير بذلك فأرجو ألا ينسانا أو تأخذه غرة تكريمه للآخرين أن يدركنا رمضان على خير ويطوي حقائبنا ويودعنا إلى عام قادم، ولذلك فإني أشهدكم بأني أكرر بإلحاح إلى ضرورة موافقته على طلب النادي له لتكريمه فهو حري بذلك وأعتقد أنه لا يفيده ولا يضير الآخرين إذا قطع أسبوعاً من هذه الأسابيع قبل أن يدركنا رمضان فيفضل علينا بقبوله دعوتنا. شكراً والسلام عليكم. يتبع

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة