Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
فضاءات
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 

الأنوثة عماد الخلق الفاضل«1»
د. لمياء باعشن

 

 

طفلسفة ولكنها كلام دائري ..

إنها ليست وعلى أحسن الفروض حلزوني يجري فيه الإنسان على ريقة التداعي الحر

(شيرين 84)

حديث الفضائل والرذائل واحد ومطرد في كل كتاب فلسفي وُضع في الأخلاق، وحمزة شحاتة - كغيره ممن سبقه من الفلاسفة - يتبنى نظاما أخلاقيا أساسه الفضيلة التي تخدم المصلحة الإنسانية وتحقق السعادة للبشر على الأرض. هذه الدراسة معنيّة بالوقوف على المضامين الفلسفية لموقف المفكر حمزة شحاتة من المرأة والفضيلة كما تجلت بشكل خاص في محاضرة «الرجولة عماد الخلق الفاضل» التي ألقاها في جمعية الإسعاف بمكة المكرمة عام 1359 ه، وإن كانت ستستشهد بأجزاء من شعره ورؤاه النقدية والفكرية، ورسائله، فلحمزة شحاتة تصور فلسفي خاص يحرص على تبنيه في كل ما يكتب، فهو كما قال عنه (الغذامي):

(مجموعة أشياء أسميها الشحاتية وهي مكوّن دلالي من مجموعة أشياء لابد من الحفر باتجاهها ولا بد من تجميعها لكي تشكل صورة كلية).

وإن كان شحاتة نفسه لا يرى أنه صاحب فلسفة خاصة به يطورها من كتاب لآخر، بل يجد في كل واحد من أعماله (ثغرات، ولعل سبب ذلك أنني أفكر دائما بصورة إشكالية وهذا ينفي عن أعمالي المختلفة صفة الترابط أو الكمال، ومع ذلك فإن استمرارية مشروعي النظري كامن في طبيعة نصوصي).

أسس شحاتة مشروعه النظري حول طبيعة الأخلاق على الفرض القائل بأن الرجولة هي عماد الخلق الفاضل، وفي ذلك زحزحة لعنوان المحاضرة المقترح عليه من قبل من وجهوا إليه الدعوة لإلقاء المحاضرة وهو:( الخلق الكامل عنوان الرجولة )عن وضعه، ليتمكن من عرض بيانه الفلسفي بشكل دائري، وربما حلزوني، فهو سيعود إلى هذا الفرض في نهاية المحاضرة وكأنه نتيجة منطقية لما سبقها من معطيات. لذا فهو يقول حين يقترب من نهاية المحاضرة: ( الآن... خاتمة حديثنا... الفضائل وعمادها... إنه الرجولة... لذلك اخترنا أن يكون عنوان هذا الحديث) (محاضرة 114).

فالقضية محسومة عنده وليست بحاجة إلى قرائن وإثباتات. وقد زحزحت بدوري العنوان عن وضعه بهدف وضع نقاط لحوار جدلي بشأن مكان المرأة في هذا الهيكل الفلسفي الشحاتي، ومعرفة فرصها في التأهل للتحلي بالأخلاق الفاضلة.

إضافة إلى العنوان الذي يقترح أن المرأة مستبعدة من صرح أخلاقي عماده الرجولة، فالمحاضرة موجهة لسادتي دون سيداتي.. وأخواني دون أخواتي ( محاضرة 21). ثم إن النص يزخر بإشارات وتصريحات توحي بإقصاء المرأة عن عالم الفضائل، رغم أن شحاتة ينفي أن يكون استخدامه للفظ الرجولة هنا ليعني (الفارق الطبيعي بين جنسين، ولكنها من الصفات الرائعة في الرجل الرائع) (محاضرة 33). هي صفة إذاً وليست اسما لجنس الذكور، فهل يمكن أن تكون رائعة أيضاً في المرأة الرائعة، أم أنها الرجولة صفة يتميز بها الذكور فقط؟

لو عرضنا الآليات التي توصل بها حمزة شحاتة في تشكيل فلسفته سنجد أنه عمد إلى تحليل عناصر الرجولة من قوة وجمال وحق يقابلها حياء ورحمة وعدالة، ولكي يفرق بين هذه العناصر والفضائل الأخرى التي اعتبرها رذائل مستترة، فقد نهج منهجاً تاريخياً تابع فيه رحلة البشرية من نشأتها وحتى حاضرها. حدد شحاتة أربعة أطوار كبرى اجتازها الإنسان على الأرض، ولأن (المجازفة في تاريخ نشأة الحياة وفي تاريخ تطوراتها قادت روادها إلى القمم الشامخة وأعانت على كشف مساتير الوجود والفكر) (محاضرة 24)، فهو سيكون باحثا مجازفا ويخاطر بهذه التعرية الزمنية رغم اعترافه بأنه في الواقع يفترض (فروضاً عقلية مجردة) (محاضرة 38)، فهو يجهل حقاً هذه الحلقات المفقودة ( من) التطورات القديمة التي رافقت كفاح الإنسان في أطوار انتقالاته الاجتماعية والنفسية والفكرية ... (محاضرة 57)، كما أن فكرته (عن الخير والشر في بقايا الجماعات الهمجية الآن لا تزال غامضة كل الغموض) (محاضرة 28).

خلال الحياة الأولى للإنسان الأول كانت الاحتياجات الأولية للإنسان نابعة من الغرائز التي هي مادة التكوين الباطن فيه، وفي هذا الطور البدائي كانت القوة العارية مبدأ الإنسان وقانونه لأنها مكنت الرجل من اكتساب طعامه وإقامة مأواه، فجسده كان قوياً. وهنا يبدو أن حمزة قد خمن أن جسد المرأة الأولى كان ضعيفاً فلم تستطع اكتساب طعام ولا إقامة مأوى، لذا رمقت الرجل (المرموق) في عالم يستدعي القوة و(للأنوثة فيه حدها الذي لا تتعداه) (محاضرة 38). وهذا ترجيح ذهني يسهل نقضه، لكنه جعل المرأة تخسر أول الجولات في عالم الفضيلة حيث الرجولة رمز القوة التي كانت في الطور الأول: أصل نشأة الشعور بمحاسن الرجولة... كانت فيه القوة الجسدية مصدر الاعتبارات كلها (محاضرة 48).

لكن حمزة يستدرك قائلاً: (إننا لا نرى معنى لنشوء الفضائل في الطور الأول من حياة الإنسان القديم)

(محاضرة 38)، لأن العمل الفاضل يحتاج إلى وعي اختياري، أما الفطرة البشرية في هذه المرحلة فلم تكن تعي معنى الفضيلة، (فإذا كانت سبلها إلى البقاء تقتضي الخير فعلته مطمئنة وإذا كانت تقتضي الشر فعلته غير مكترثة)، مثلها في ذلك مثل الطبيعة تتبع (نظامها وطريق مسراها إلى غايتها المرسومة لها) ( محاضرة 51). والإنسان حقق مطالب حياته بصعوبة وشجاعة، فمحاسنه كانت متصلة (ضرورات عيشه وهو يراها ضرورات تتصل بحياته يأتيها طائعاً أو مكرهاً، ونحن ندعوها محاسن أو فضائل)

( محاضرة 39). إذاً...لم تخسر المرأة بعد!

حين ننتقل إلى المرحلة الثانية نجد أن المعايير قد تغيرت بشكل جذري، فالرجل القوي يعترف بأنه ضعيف أمام الوحوش الضارية، لذلك نلمس لديه نشاطاً ملحوظاً في القوة التعقلية والتفكيرية في محاولاته للتغلب على هذا الخطر المحدق، فيلجأ إلى الاختراع: (فهو ذو حجر وعصا وأنشوطة وذو حيلة وصبر ومهارة) ( محاضرة 41). ألم تفكر المرأة وتدبر حتى في مرحلة الصبر والحيلة؟ ثم قرر الرجل أن يستعين على دفع المخاطر بالتجمع التعاوني وبالتكتل من أجل البقاء. في عزلة اكتفائه كان الإنسان أنانياً، وحين أحس بضرورة التعاون تهذبت غرائزه وتلطفت. هذا التكاتف لا بد أنه أيضاً كان ذكورياً لم تشارك به (عديمة الأكتاف) حتى في مرحلة الضعف الرجولي! أما ما نتج عن المشاركة التعاونية فعنصر أنثوي بحت ألا وهو التعاطف الذي يصفه شحاتة بأنه (ضرورة منشئوها الضعف) (محاضرة 40). من التعاطف نشأت العواطف التي لم تأتي (نتيجة عوامل تهذيبية أو تقليدية وإنما كان نتيجة عوامل شعورية ووليد عوامل ضرورات حيوية ثم معنوية ثم أدبية) (محاضرة 60). وقبل أن تندب المرأة حظها لعدم حصولها على نقاط فضيلة في هذا الطور المشبوب، يخبرنا شحاتة أنه كان (طور ألفة واتحاد وهذه ضرورات فلا رذيلة ولا فضيلة وإنما مقابح ومحاسن) (محاضرة 51).

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة