Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
فضاءات
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 

إذا عمل المثقف فحلال عليه اللقب!!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

ما فتئ الباحثون عن مدلول كلمة (ثقافة!!) يهرعون إلى المعاجم والقواميس وينقلون لنا وبكل بلادة ما يجدونه تحت مادة (ثقف) وعلى هذا المنوال ثقف الرمح: قومه وسواه - ثقف الولد فثقف. هديه وعلمه فتهذب وتعلم فهو مثقف وهي مثقفة. هذا مستعار من ثقف الرمح. الثقاف: آلة تثقف بها الرماح. الثقافة وهنا مربط الفرس. التمكن من العلوم والفنون والآداب المثقف الرمح في عرف الشعراء.. إلخ.. كل هذا العلم ورد في المنجد!! وعلى هذا فالباحثون ما قعدوا!! لقد أدوا واجبهم تجاه المتلقي واستراحوا، وكفى الله المؤمنين (شر) القتال.. فكأن كل ما هو مطلوب معرفته عن كلمة (ثقافة!!) هو الاشتقاق اللغوي لا المعنى الكامل الشامل لكلمة (ثقافة!!).

من هنا يتضح لنا أن كلمة (ثقافة!!) كمعنى ومدلول لا تزال كلمة رمادية محايدة. بل كلمة غامضة في أذهان كثير من الناس حتى في أذهان المثقفين أنفسهم ومع ذلك فلا أحد ينكر أن لهذه الكلمة (الثقافة) بالرغم من ضلبابيتها معنى جذاباً مغرياً.. أصبح يوازي كلمة المعرفة والمعرفة فيها إيحاء بالحذق والمهارة والحركة والحياة.

ولقد هون علينا أسلافنا القدماء الذين نتنكر لهم الآن مع الأسف الأمر فوضعوا للثقافة كثيراً من التعريفات أشهرها تعريف الثقافة بأنها الأخذ من كل فن بطرف، بينما عجز المتأخرون عن إيجاد تعريف أفضل وأشمل لمعنى الثقافة. بل عجزوا عن زيادة كلمة واحدة على هذا التعريف.

وعلى أي حال فإن إيجاد معنى أو مدلول أشمل للثقافة لا يزالان أمراً ملحاً؛ لأن أي شخص يطمح إلى امتلاك صفة المثقف لا بد أن يحيط بمعنى أو مدلول هذه الصفة لكي يعرف أين يقف من هذه الصفة. وهل يستحق أم لا! أما الآخرون الذين يقفون موقف الحسد أو الإعجاب تجاه المثقف فهم أحرى بالإحاطة بمعنى هذه الصفة لرغبتهم في امتلائها وسنعود إلى هذه النقطة عندما نطرح هذا السؤال المحير: من هو المثقف؟!

الثقافة بالمفهوم القديم والحديث:

لقد رضينا حتى الآن على الأقل بالتعريف السائد والشهير لكلمة الثقافة وهو الأخذ من كل فن بطرف معنى هذا يجب أن نعترف بأن هؤلاء الذين توارثنا عنهم هذا التعريف كان لهم فنون معينة ولهم ثقافتهم الخاصة بهذه الفنون. كما أن لأهل هذا العصر فنونهم ولهم ثقافتهم الخاصة بفنونهم التي زادت وأصبحت أكثر تعقيداً.

ماذا تعني الثقافة القديمة بمفهوم الإنسان العصري وماذا تعني ثقافة العصر لأهل القرون الوسطى؟! لا نريد أن نعقد الموضوع فنطلب من جولييت في فرنسا أن تحلب الناقة كما كانت تفعل خوله في برقه وثهمد. كما لا يجور أن ننعي على خوله جهلها بقيادة الطائرة وبإيقاعات رقصة الروك اندرول التي تبرع فيها جولييت في القرن العشرين.. علينا أن نأخذ معطيات البيئة ومتغيرات الزمن وتوفر الإمكانات في الاعتبار.

فلكل إنسان ثقافته الخاصة في العصر الواحد. والمختلفة عن ثقافة عصره وأبناء جيله.

نخرج من هذا بحقيقة مؤداها أن الثقافة شيء نسبي وأنها بنت عصرها وبذلك يمكن أن نحور تعريف الثقافة الشهير على هذه الصورة مثلاً: الثقافة هي معرفة الإنسان لما هو مستطاع معرفته في عصر ما حسب قدره لذلك الإنسان وبيئته والإمكانيات المتاحة لديه. ومع ذلك يبقى هذا التعريف قاصراً لكنه أكثر مرونة على الأقل من الأخذ من كل فن بطرف.. دون تحديد لحجم هذا الطرف.

إن سقراط أحد فلاسفة الأغريق وإن ابن خلدون هو أول من وضع أصول علم الاجتماع هاتان معلومتان صغيرتان كل واحدة منهما تعتبر هبأة صغيرة من علمي التاريخ والاجتماع، فهل كل شخص يعرف هاتين المعلومتين الضئيلتين من بحر العلوم التاريخية والاجتماعية يصبح ذا ثقافة تاريخية أو اجتماعية إذن فكلمة طرف عائمة. وكلمة كل تعميمية تأخذ صفة المستحيل. إذ إن الإنسان الذي يستطيع أن يعرف طرفاً من كل فن بإطلاق في عصره وفي العصور الماضية والقادمة لا يوجد له أب.

الثقافة النظرية والثقافة التطبيقية:

وإذا كانت الثقافة بمفهومها العام الفضفاض هي المعرفة الجزئية بالأمور والأشياء كافة قديماً وحديثاً انطلاقاً من كلمة كل!! المشترطة في التعريف الشهير للثقافة فإننا إزاء مسألة أخرى عويصة ومحيرة، وهي الممايزة بين الجانبين النظري والتطبيقي للثقافة الخاصة بالفن الواحد في العصر الواحد مثلاً: شخصان أحدهما خبير في وضع برامج الكمبيوتر، يكتب ويرسم ويخطط البرامج، وهذا هو كل عمله، والآخر يعرف مثل ما يعرف الأول تماماً مضافاً إليه خبرة وكفاءة في تشغيل وتفكيك وتركيب وإصلاح جهاز الكمبيوتر فأيهما المثقف في مجال الكمبيوتر. وهل نستطيع القول أن الأول نصف مثقف والآخر مثقف كامل في هذا المجال؟!

إذا كنا قد وجدنا هذا الاختلاف الكبير في الكفاءة بين شخصين في نفس العمل ونفس الاختصاص فإن الآخر سيكون أكثر صعوبة عندما نضع ثقافتيهما على المحك في كل علم وفن من العلوم والفنون الإنسانية منذ بدء الخليقة حتى الآن.

لقد أعجبني بعض الكتاب ذات مرة حين أنكر أن يطلق لقب دكتور على طه حسين وعلى (سين) من الناس في آن واحد معاً، ذلك لوجود بين شايع بين ثقافتيهما وحصيلة العطاء الأدبي لكليهما!

المثقف ودوره:

على ضوء ما سبق نود أن نسأل: من هو المثقف فكثيراً ما نسمع هذه الصفة أو اللقب تطلق على شخص أو آخر فنقف حائرين لنسأل ذلك السؤال؟

ولا شك أننا نبالغ كثيراً حين نطلق هذه الصفة أو اللقب على بعض الأشخاص بقصد امتداحهم وتشريفهم وليس معنى ذلك أن كل من يطلق عليه هذا اللقب أو الصفة ليس مثقفاً من غير المثقف. هل هناك نقطة معينة من العلم أو المعرفة يقف عندها الإنسان ليحمل بجدارة هوية المثقف!

إن من أغرب ما يتبادر إلى الذهن لأول وهله هو أن الأديب مثقف لاقتران كلمتي الأدب والثقافة وتلازمها وفي هذا الاعتقاد خلط كبير. فإذا سلما بأن المعارف والفنون والعلوم الإنسانية لا حصر لها وإنها تزيد وتتسع في كل لحظة فإننا سنفاجأ بأن حصيلة الأديب من الثقافة تقتصر على الأدب بل قد تقتصر على لون واحد من ألوان الأدب العديدة كالشعر والرواية أو القصة القصيرة أو المسرحية أو النقد.. إلخ.. وهنا نتساءل أين حظ هذا الأديب (المثقف) من نسائر العلوم كالفلسفة والفن والتاريخ والصناعة والزراعة والتجارة إلخ.

وماذا لو عرفنا أن هناك ثقافات عديدة منبثقة من علوم وفنون قائمة بنفسها وأصبحت أهم بكثير في حياة الأمم والشعوب والأفراد من الأدب! فهناك الثقافة الدينية والإدارية والتاريخية والوطنية والاجتماعية والحضارية إلى آخر هذه الثقافات، ومع ذلك قلما نطلق على عالم الذرة أو المهندس الزراعي أو الطبيب أو الكيميائي وعالم الفضاء مثلاً صفة مثقف.. لقد كان من الإنصاف أن يكون هؤلاء مثقفين في مجال علمهم وخبرتهم.. لا سيما وأن كثيراً منهم، وما كانوا شعراء، أو أدباء أو كتاب قصة.. أو ذوي اطلاع من الدرجة الأولى، وهناك ملحوظة مهمة وهي إننا قد نطلق على شخص صفة مثقف فإذا به ينتفخ ويمط رقبته كالزرافة تهيأ وكبرا، وهو من الجهل والخواء بمكان عظيم، وقد نطلق هذه الصفة واللقب على شخص آخر فيذوب خجلاً وحياً وهو على جانب كبير من الثقافة والمعرفة والاطلاع.. ما الذي حدث؟ إن ما حدث هو تباين في المفهوم الحقيقي للمثقف عند الاثنين فالأول ظن أن ما لديه كثير وهو قليل والآخر رأى أن ما لديه من المعرفة والثقافة مجرد قطرة من محيط! وهذه إشكالية قائمة وستظل قائمة حتى نعثر على ذلك المقياس السحري الرقيق الذي يحدد لنا استحقاق أي شخص للفوز بلقب وهوية المثقف وهذا مستحيل.

لكن لماذا نحرم الناس من هذا التشريف بإضفاء صفة المثقف عليهم، أهو حسد؟!.. لا.. لتدع كل شخص أنه مثقف، ولكن عليه أن يثبت لنا ذلك بالإبداع والعطاء في أي علم أو فن من الفنون.. وعندها حلال عليه اللقب!!

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة