Culture Magazine Monday  24/09/2007 G Issue 217
فضاءات
الأثنين 12 ,رمضان 1428   العدد  217
 
قصاصات من ذاكرة حصة«8»
(الوظيفة)
أميرة القحطاني

 

 

تقول صديقتي حصة:

اتصل بي راشد أكثر من مرة ليسألني عن التقرير الذي كان من المقرر أن أرفعه إلى المدير، وكان يكثر من السؤال عن الموظفات كما أنه لا ينسى أن يعتذر عن تصرفاتهن معي وإيجاد التبريرات لهن في كل اتصال. كنت أصرفه بلطف، وفي آخر مكالمة سألته بشكل مباشر: فيه أحد من عندنا أقصد من الإدارة قال لك إني أنا زعلانه من تصرف موظفاتك؟ أو قال لك إني راح أرد لهن الصاع صاعين؟

قال لي: لا بس أتوقع منك تقرير انتقامي. قلت له بشكل حازم: أنا هنا موظفة أخدم بلدي ودائرتي واللي فيه صالح هذي البلد وهذي الدائرة راح أرفقه في التقرير ولا تخاف على موظفاتك هذولا ياكلون الزلط!!

رفعت تقريري بشكل رسمي إلى السيد مدير الإدارة، وكان يتضمن عدة نقاط أهمها:

1- تتم ترقية جميع موظفي القسم (رجال) بمن فيهم رئيس القسم كما يتم تعديل وزيادة الراتب الأساسي للموظفين الذين لم يكملوا السن القانوني للترقية.

2- تغيير جميع المكاتب القديمة بمكاتب جديدة (رجال فقط).

3- صرف بطاقات بترول للموظفين الذين يتطلب منهم العمل التحرك أثناء الدوام الرسمي - وعادة يكونون رجالا.

4- زيادة المبلغ المستحق لمن يعمل (أوفر تايم). - رجال أيضا .

5- منح شهادات شكر لجميع موظفي القسم (رجال) لحسن تعاونهم مع العملاء الخارجيين للدائرة وقد لاحظت ذلك أثناء وجودي بينهم بالإضافة إلى حسن استقبالهم لرئيسة القسم المرسلة من قبلكم.

6- نقل جميع موظفات القسم وعددهم 4 موظفات إلى قسم المخازن حيث لا يوجد عملاء وذلك للأسباب التالية:

- عدم التعامل مع عملاء الدائرة بشكل لائق، وقد اتضح لي ذلك من خلال مكوثي لديهن لمدة 3 ساعات متتالية.

- ارتداء ملابس سيئة بعضها (بجامات) تحت العباءة؛ ما يعطي صورة سيئة لبنات الدائرة.

- التحدث والضحك بأصوات مرتفعة؛ ما يدل على عدم احترام مكان العمل والعملاء.

- تناول الإفطار على المكاتب الرسمية للدائرة أثناء دخول وخروج العملاء.

- سوء استقبال ومعاملة موظفة أرسلت رسميا من مكتب مدير الإدارة؛ ما يدل على عدم احترامهن لهذه الإدارة.

اعتمد مديري التوصيات بعد عدة مناقشات مغلقة بيني وبينه وقبل مرور ساعة واحدة على إرسال التعميم رسميا إلى رئيس القسم المعني كان راشد وموظفاته الكريمات في مكتب مديري وقد كن في حالة يرثى لها إحداهن كانت تبكي: ما يصير يابو محمد 15 سنة وأنا اخدم في هذه الدائرة وتقوم بنقلي إلى المخازن لمجرد تقرير كتبته موظفة جديدة لديك لم يعجبها أسلوبي في الحديث؟!

وكنت أنا جالسة قبالة راشد بالقرب من مديري استمع إليها بهدوء واحتسي شاياً أخضر عمل بالنعناع. وكعادته مديري يقوم بحسم المناقشات التي لا تعجبه بإخراج (الملف الأحمر) من أحد الأدراج القريبة منه وهو ملف كتبت عليه كلمة (سري) يحتفظ به لمثل هذه المناقشات. فتحه وبدأ يقرأ: لدى كل واحدة منكن غياب يتعدى المائة يوم إلى جانب التأخير كل صباح، الذي يصل غالبا إلى ساعتين أو أكثر، الخروج من الدوام قبل نهايته بساعتين تقريبا، استخدام الهاتف في المكالمات الشخصية وأحيانا الشخصية جداً. بدأت هنا علامات الخوف تظهر على الوجوه (سبحان الله يمكن يكون الكلام مسجل)!! شعرت بأنه أراد إشعارهن بذلك، هناك 30000 درهم تم وضعها بالعمد في الفواتير التي يتم منحها للعملاء، وهذا كله في سنة واحدة فقط؛ ما قد يستدعي فتح تحقيق رسمي! أعتقد الفواتير مسؤولية الموظفات أم أنني مخطئ يا راشد؟

- لا، لا طال عمرك أنت لا تخطئ لكن هناك أمر........

- لا يوجد شيء اسمه لكن، هذا يعتبر في قوانين الدائرة اختلاس، وأنا وإن كنت ساكت فلأنني أجمع الأوراق اللي تثبت هذه السرقات وليس لأنني غبي أو نائم على مكتبي وأنا أستطيع تمرير الأمور دون شوشرة ومن المحتمل تمريرها بهدوء لأني ببساطة لا أحب قطع الأرزاق إلا إذا..... صمت قليلا وأخذ ينظر إليهن ثم أكمل: ومن جهة أخرى أنا لدي خبر من زمن بأن موظفاتك يلبسن ملابس غير لائقة بالعمل وكنت انتظرك أنت يا رئيس القسم أن تتخذ ضدهن إجراءات لا أن تنتظرني أنا حتى أرسل إليك موظفة من الإدارة، والشيء الآخر لدي شكاوى كثيرة من عملاء تعرضوا لمعاملة سيئة من قبل موظفاتك.. لماذا لم تتخذ ضدهن إجراءات صارمة بهذا الخصوص؟.

- الحقيقة يابو محمد أنا لا أستطيع أن أقول للموظفات ارفعن عباياتكن لأتأكد من أن ملابسكن رسمية.. يعني.. هذا لا يجوز و.....

- على رئيس القسم أن يكون على علم بكل ما يدور في قسمه.. الملابس وقلنا بأنك لم تشاهدها وهذا على فكرة ليس عذرا لكني سوف أمشيها على شانك إنما اللعب بالفواتير والنوم على التليفونات طول النهار والتأخير في الحضور إلى العمل والخروج من الدوام مبكرا ومعاملة العملاء بجفاف كل هذا لم تشاهده يا راشد؟!!

لم يرد راشد ولا موظفاته وقد أمرهم مديري بتنفيذ ما جاء في التقرير حرفيا وإلا له تصرف آخر معهن ومع رئيس القسم.

نهضنا جميعنا للمغادرة، وقبل أن نخرج أتى صوت مديري وبنبرة تهديدية: أرجو أن تعتبرن هذا النقل فرصة لكن كي تطورن من أدائكن، وأتمنى ألا تدفعنني لاتخاذ إجراءات ربما أكثر قسوة من هذه في المستقبل. ثم طلب مني المكوث.

شكرني على قوة ملاحظتي وعلى تقريري الذي غطى جميع الجوانب وطلب مني زيارة جميع الأقسام وإفادته بما أراه. كما أمر بتثبيتي في الوظيفة وتسكيني على درجة رئيس قسم أول - أي ما يعادل درجة مدير - ووعدني بمنحي إدارة مستقبلا ولكن بعد أن أثبت وجودي. خرجت وأنا أفكر رغم سعادتي بهذه الثقة في كيفية تعامل مديري مع موظفيه، كان قاسيا لدرجة مخيفة، ثم إنه لم يخبرني عندما اعتمد تقريري بما يعرفه عن قسم راشد وهذا يعني أنه يخطط ويرتب لمثل هذه الأمور ويحتفظ لكل موظف بملف سري يستخدمه كسلاح عند اللزوم، وبما أنني موظفة لديه فهذا يضعني تحت طائلة الملفات السرية!! مما يستدعي الحذر، وقد كنت حذرة طوال فترة عملي معه، لا أنكر بأنه كان لدي بعض التجاوزات لكن مديري لم يستخدمها في يوم من الأيام ضدي، كان معي طوال الخط سواء كنت أنا ظالمة أم مظلومة.

هناك طرق أخرى لمديري وهي تجنيد بعض الموظفين والموظفات والفراشين أيضا كما فعل مع يوسف زادة.

فقد قام مديري بتجنيد الفراش بابوه لمراقبته على مدى أسبوعين، وكان مكتبه قريبا منا يبعد عشرين مترا فقط، وحيث إن رجلا لا يتمتع بالأخلاق الحميدة عرف مديري من أين يفتك به. كانت هناك موظفة تتردد عليه بحجة العمل، وكان يغلق الباب عندما تزوره، هذا الأمر يعرفه مديري قبل المشكلة التي حدثت لي معه، لكنه وكما أسلفت يحتفظ بهذه الأمور كسلاح إلى أن يحين وقتها، ولأنه أراد رد اعتباري استخدمها الآن.. دخل الفراش وهمس في أذن أبو محمد كما تقول سهام ثم خرج مديري وبقي الفراش في المكتب لدقيقة من باب التمويه وبعد دقائق عاد أبو محمد ومعه يوسف وكان وجهه مكفهراً!! اقصد يوسف، وقد تم نقلة في نفس اليوم إلى إدارة أخرى. بمعنى آخر تخلص منه مديري وبسرعة. الغريب أن الذي يخطئ في دائرتنا لا يتم فصلة بل يتم نقله إلى إدارة أخرى والتستر عليه وخصوصا إذا كان مديرا كيوسف مثلا. سألت أحمد عن هذا الأمر: معقولة يا أحمد يدخل المدير على مدير آخر في إدارته وهو يقوم بحضن موظفة في مكتبه ولا يفصله من عمله؟ هذي جريمة أخلاقية والسكوت عليها جريمة أخرى.

- طيب ما هو رأيك في من اختلس 20 مليونا وتم فصله مع احتفاظه بالعشرين مليوناً؟

- معقولة؟؟ لا، لا هذا لا يعقل مؤكد تمزح

- صدقيني لا أمزح وقد كانت موظفة وتم التكتم على سرقاتها كي لا تتشوه سمعة الشركة اللي تعمل بها وهي شركة تجارية حكومية قالوا نضحي بالعشرين مليونا في سبيل المحافظة على اسم الشركة، حيث إن هذا الأمر كفيل بتلطيخ سمعة الشركة، وهي شركة تجارية تعتمد على العملاء، وبما أن هذه الموظفة قد أخذت هذه المبالغ من عملاء الشركة الأجانب كعمولات أو كرشاوى فلن يضر الشركة شيء وقيسي ذلك على يوسف زادة فهم لن يفصلوا مديرا هفته نفسه على موظفة بلا أخلاق من باب الحفاظ على سمعة الدائرة الموقرة، أيضا لديك طارق طاهري المدير في إدارتكم تم نقله إلى هذه الإدارة بسبب موضوع اختلاس حيث كان يعمل في إدارة المالية، وعدنان محمدي الذي حصل على الجنسية في التسعينات هذا الرجل وصل إلى البلد في الثمانينات وكان يسكن في كرفان ولأنه توظف في مكان فيه عملاء مستعدين لدفع الرشاوى لتخليص معاملاتهم بأسرع وقت وبأقل الأثمان كانوا يقدمون له بعض التسهيلات التجارية وبهذا أصبح من أغنياء هذه المدينة ولو ذهبت إلى مواقف سيارات المديرين سوف ترين أنه يأتي إلى العمل كل يوم بسيارة شكل، وعادة تكون هذه السيارات من أحدث وأغلى السيارات.. تعتقدين يا حصة أن رجلا أتى من بلاده حافيا قبل عدة سنوات يستطيع أن يجمع كل هذه الملايين بطرق شرعية؟!! لا طبعا ولكن من يهتم؟ الدائرة تعرف كل شيء وهناك الكثير غيره أصبحوا أثرياء من السرقات ولا زالوا في مناصبهم ونشاهد صورهم على صفحات الجرائد وعندما يتقاعدون يتم تكريمهم أيضا!! المهم يا حصة ابتعدي عن هذه الأمور لأنها ستصيبك بالصداع.

- لكنك حدثتنا في بداية مشوارنا العملي عن الأمانة والصدق والإخلاص في العمل و........

- حدوث الكثير من التجاوزات لا يعني أن ننشئ أجيالا من اللصوص، يجب أن تكون هناك أمانة ويكون هناك إخلاص وشرف في العمل.

وكأن أحمد قد أوقظ بي حسا وطنيا بهذا الحديث فمعظم الذين يعملون في هذه الدائرة لا يملكون هذا الحس الوطني من المدير العام إلى الفراش، الكل يسعى خلف مصالحه الشخصية وأسوأ هؤلاء هم الذين يتسترون على (الفساد الإداري) ويسيرونه حسب مصالحهم الشخصية وأولهم مديري فهل سأستطيع مواجهته بهذه الحقيقة؟ لا أعتقد فهو صاحب جميل وأنا لا أنكر ذلك لذا عليّ التريث قليلا قبل البدء في مشروعي الإصلاحي.

ذهبت لمشاهدة سيارة عدنان التي يتعدى سعرها الثمانمائة ألف درهم وربما يبلغ سعر لوحتها المليون درهم وبغض النظر عن عدنان وسيارته أعجبتني فكرة (موقف سيارات المديرين) فالموظفون كلهم في جهة وهؤلاء المديرون في جهة أخرى، وبما أنني قد جئت - كما يقولون بواسطة شيخ - فمن الطبيعي أن أكون من الذين يقفون في مواقف ال(VIP) ولكن هناك مشكلة حقيقة فأنا لا أملك سيارة والأهم من ذلك أنني لا أملك رخصة قيادة لهذه السيارة!!.

يتبع

- دبي amerahj@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة