صدر أخيراً وعن دار (رياض الريس للكتاب والنشر) كتاب جديد للقاص والكاتب والدبلوماسي السعودي عبد الله محمد الناصر بعنوان (أمريكا العقلية المسلحة) ضم ثمانين مقالة قصيرة محورها الحال العربي الحاضر. لكن المحنة العراقية كانت الأكثر حضوراً بين مقالات الكتاب. لنقرأ مثلاً العناوين التالية التي تحيل على العراق وما يجري فيه ومسؤولية الاحتلال الأمريكي له عن ذلك: (حديثة) و(ماي لاي) (والعقلية الأمريكية)، (الفلوجة وعبثية الموت)، (أبوغريب ويوم الرحيل)، (شارع الرشيد وعقول الحمير)، (بغداد الحرائق) (ابو علقمة والذئب الأمريكي) وموضوعات أخرى.

مقالات الكتاب تتميز بالسخونة وتسمية الأشياء بأسمائها وقد اختارها الكاتب من بين ما ينشره في زاويته الأسبوعية بجريدة الرياض تحت عنوان (بالفصيح) حيث سبق له أن أصدر عام 2002 ومن منشورات رياض الريس أيضاً كتاباً تحت العنوان نفسه ضم وجبة أولى من مقالاته هذه التي يكتبها منذ سنوات.

ارتأى المؤلف أن يكتب بنفسه مدخلاً لكتابه وصف فيه الحقبة الحالية (بالمكالمة والمظلمة من تاريخ الأمة العربية التي يهمش فيها الإنسان العربي تهميشاً حاداً وصارخاً ولا يسمح له في أحسن الأحوال إلا أن يلتزم فضيلة الصمت والتفرج) ولكنه يصف (فضيلة الصمت) هذه بأنها (خيانة في حق الأمة التي صارت مستباحة ومشرعة الجهات لكل أنواع الأذى والتسلط. من هنا كان لزاماً على المرء المخلص أن يحطم أصنام الصمت ويكفر بفضيلته).

كما يصف كتابه هذا بأنه (مشاركة لمرحلة أصبح المرء فيها شاهداً على موت نفسه وموت أمته عن طريق المشروع (الصهيو أمريكي) في المنطقة).

ويصف ما تفعله أمريكا بقوله: (تتصرف في المنطقة كإله، تعذب من تشاء وتحرق من تشاء وتقتل من تشاء... الخ).

ويواصل وصفه لما تفعله أمريكا فوق أرضنا العربية تحديداً بأنها (تبحث عن أتفه الذرائع للتنكيل بالعرب والدوس على أراضيهم وعلى رقابهم وعلى كرامتهم).

ويقول عن أمريكا أيضاً بأنها (تريد للعرب أن يكونوا نموذجاً للهندي الأحمر الذي طاردته مائتي عام وقاتلته بأبشع وسائل القتل).

ووصف ما جرى للعراق بأنه قد حوله إلى (مزبلة من جثث العراقيين وعظامهم).

لكن أخطر ما أشره المؤلف حول الوضع العربي وما فعلته أمريكا بأنها (استطاعت أن تدمر مركز الإحساس العربي الجمعي فلم تعد تستفز الإنسان العربي أو تحركه أي مشاعر تجاه أخيه العربي، فماتت النخوة، وأبيدت لديه بسبب مشاهد الجزر اليومي التي حولت المأساة إلى ملهاة. ثم إلى روتين لم يعد يلفت الانتباه).

وفي هذا (المدخل) الدقيق يرى المؤلف أن (أمريكا كانت تخطط لتفكيك المنطقة وتفتيتها مع حليفتها إسرائيل من خلال الألاعيب السياسية وخلق الصراع العربي - العربي نتيجة تلك المعاهدات المنفردة مع إسرائيل. ومزقت وحدة القضية المركزية للعرب، وهي قضية فلسطين التي كان العرب يجمعون عليها).

أما عن وعود بوش حول العراق قبل احتلاله فيقول المؤلف انه (لم يحقق وعده بنشر الأمن والعدل والحرية، والديموقراطية في العراق بل رأينا أبشع أنواع الإذلال والتعذيب والقتل).

ولذا كان المؤلف دقيقاً في تسمية كتابه (أمريكا العقلية المسلحة) إذ يرى أنها (مسلحة بكل وسائل التدمير الفكري والاقتصادي والسياسي والثقافي وأنا عقلية تسلط وإيذاء واستيلاء واحتلال واغتصاب وتحكم) مستنتجاً أن (المعضلة أن كل ذلك يحدث بعقيدة ضرورة التفوق الأمريكي كامتثال لأمر إلهي.. لهذا فليس غريباً أن يقف الرئيس بوش ويعلن أن حربه على الإرهاب (الإسلام) حرب صليبية مقدسة. وأن دخوله العراق كان تنفيذاً لتدبير إلهي).